للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ما لا بدَّ للصَّغيرِ منه من الكُسْوةِ والطَّعامِ، وقَبُولِ الْهِبةِ له، والخُصومةِ عن الميِّتِ فيما يُدَّعَى له أو عليه؛ لأنَّ هذه يشقُّ الاجتماعُ عليها ويَضُرُّ تأْخيرُها، فجازَ الانْفِرَادُ بها. ولَنا، أنَّه شَرَّكَ بينهما في النَّظرِ، فلم يكُن لأحَدِهما الانْفِرادُ، كالوَكِيلينِ. وما قالَه أبو يوسفَ نَقولُ به، فإنَّه جَعلَ الوِلايةَ إليهما باجْتماعِهما، فليست مُتَبعِّضةً، كما لو وكَّلَ وَكِيلَيْن، أو صَرَّحَ للوَصِيَّيْنِ بأن لا يتصرَّفا إلَّا مُجْتَمِعَيْن. ثم يَبْطُلُ ما قالَه بهاتينِ الصُّورتَيْنِ، ويبطُلُ ما قالَه أبو حنيفةَ بهما أيضًا. وإذا تعذَّرَ اجْتماعُهما، أقامَ الحاكمُ أمينًا مُقامَ الغائبِ.

فصل: في مَن تَصِحُّ الوَصِيَّةُ إليهِ، ومَن لا (٧) تَصِحُّ، تَصحُّ الوَصِيَّةُ إلى الرجلِ العاقلِ المسلمِ الحُرِّ العَدْلِ إجْماعًا. ولا تَصحُّ إلى مَجنونٍ، ولا طِفْلٍ، ولا وَصيَّةُ مسلمٍ إلى كافرٍ. بغيرِ خلافٍ نَعلمُه؛ لأنَّ المجنونَ والطِّفلَ ليسا من أهلِ التَّصرُّفِ في أموالِهما، فلا يَلِيَانِ على غيرِهما، والكافرَ ليس من أهلِ الوِلايةِ على مُسْلمٍ. وتَصِحُّ الوَصِيَّةُ إلى المرأةِ في قولِ أكثرِ أهلِ العلمِ. ورُوِى ذلك عن شُرَيْحٍ. وبه قاْلَ مالكٌ، والثَّوريُّ، والأوْزاعىُّ، والحسنُ بنُ صالحٍ, وإسحاقُ، والشافعيُّ، وأبو ثَوْرٍ، وأصحابُ الرَّأْىِ. ولم يُجِزْهُ عَطاءٌ؛ لأنَّها لا تكونُ قاضِيَةً، فلا تكونُ وصيَّةً، كالمجنونِ. ولَنا، ما رُوِى أنَّ عمرَ، رَضِىَ اللهُ عنه، أوْصَى إلى حَفْصةَ (٨). ولأنَّها مِن أهلِ الشَّهادةِ، فأشْبَهتِ الرَّجُلَ، وتُخالِفُ القَضاءَ، فإنَّه يُعتبرُ له الكمالُ في الخِلْقَةِ والاجتهادِ، بخِلافِ الوَصِيَّةِ. وتصحُّ الوَصِيَّةُ إلى الأعْمَى. وقال أصحابُ الشافعىِّ فيه وَجْهٌ (٩) أنَّه لا تَصِحُّ الوَصِيَّةُ إليه، بِناءً منهم على أنَّه لا يَصحُّ بَيْعُه ولا شِرَاؤُه، فلا يُوجدُ فيه مَعْنى الوِلَايةِ. وهذا لا يُسَلَّمُ لهم، مع أنَّه يُمْكِنُه التَّوكيلُ في ذلك، وهو من أهلِ الشَّهادةِ والولايةِ في النكاحِ، والولايةِ على أولادِه الصِّغارِ، فصَحَّتِ الوَصِيَّةُ


(٧) في م: "لم".
(٨) تقدم في صفحة ٢٠٧.
(٩) في م: "وجد".

<<  <  ج: ص:  >  >>