على ما ذكرْنا. فإن ادَّعَى نُقْصانَ السَّمْعِ فيهما، فلا طريقَ لنا إلى مَعْرفةِ ذلك إلَّا من جِهَتِه، فيُحلِّفُه الحاكمُ، ويُوجِبُ حُكُومةً. وإن ادَّعَى نَقْصَه في إحْداهما، سَدَدْنا العَلِيلةَ، وأطلَقْنا الصَّحيحةَ، وأقَمْنا مَن يُحدِّثُه وهو يتَباعَدُ إلى حيثُ يقولُ: إنِّي لا أسمعُ. فإذا قال: إنِّي لا أسمعُ. غَيَّرَ عليه الصوتَ والكلامَ، فإنْ بانَ أنَّه يسْمَعُ، وإلَّا فقد كَذَبَ، فإذا انتْهَى إلى آخِرِ سَماعِه، قَدَّرَ المسافةَ، وسَدَّ الصَّحيحةَ، وأُطْلِقَتِ المريضةُ، وحدَّثَه وهو يتَباعدُ، حتى يقولَ: إنِّي لا أسْمَعُ. فإذا قال ذلك، غَيَّرَ عَليه الكلامَ، فإنْ تَغيَّرتْ صِفَتُه، لم يُقْبَلْ قولُه، وإنْ لم تَتَغَيَّرْ صِفَتُه، حَلَفَ، وقُبلَ قولُه، ومُسِحَتِ المَسافتانِ، ونُظِر ما نقصَتِ العليلةُ، فوجبَ بقَدْرِه. فإن قال: إنِّي أسْمَعُ العالِى، ولا أسمعُ الْخَفِىَّ. فهذا لا يُمْكِنُ تقْدِيرُه، فتَجبُ فيه حُكومةٌ.
فصل: فإنْ قال أهلُ الخِبْرةِ: إنَّه يُرْجَى عَوْدُ سَمْعِه إلى مُدَّةٍ. انتُظِرَ إليها، وإنْ لم يكُنْ لذلك غايةٌ، لم يُنْتظَرْ. ومتى عاد السَّمْعُ، فإنْ كان قبلَ أخْذِ الدِّيَةِ، سقَطَتْ، وإن كانَ بعدَه، رُدَّتْ. على ما قُلْنا في البَصَرِ.
هذه الشُّعورُ الثلاثةُ في كلِّ واحدٍ منها دِيَةٌ. وذكرَ أصحابُنا مَعها شَعرًا رابعًا، وهو أهْدابُ العَيْنَيْنِ، وقد ذكرْناه قبلَ هذا. ففى كلِّ واحدٍ منهما دِيَةٌ. وهذا قولُ أبى حنيفةَ، والثَّوْرِىِّ. وممَّن أوْجَبَ في الحاجِبَيْنِ الدِّيَةَ سعيدُ بنُ المُسَيَّبِ، وشُرَيْحٌ، والحسنُ، وقَتادةُ. ورُوِىَ عن عليٍّ، وزيدِ بنِ ثابتٍ، أنَّهما قالا في الشَّعَرِ: فيه الدِّيَةُ. وقال مالكٌ، والشافعيُّ: فيه حُكومةٌ. واخْتارَه ابنُ المُنْذِرِ؛ لأنَّه إتْلافُ جمالٍ من غيرِ مَنْفَعةٍ فلم تجِبْ فيه الدِّيَةُ، كالْيَدِ الشَّلَّاء والعَيْنِ القائِمةِ. ولَنا، أنَّه أذْهبَ الجمالَ على الكمالِ،