للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذا أسْلَمَ في ثَمَرَةِ بُسْتَانٍ بعَيْنِه، لم يُؤْمَنِ انْقِطَاعُه وتَلَفُه، فلم يَصِحَّ، كما لو أسْلَمَ في شيءٍ قَدَّرَهُ بمِكْيَالٍ مُعَيَّنٍ، أو صَنْجَةٍ مُعَيَّنَةٍ، أو أحْضَرَ خِرْقَةً، وقال: أسْلَمْتُ إليك في مثلِ هذه.

فصل: ولا يُشْتَرَطُ كَوْنُ المُسْلَمِ فيه مَوْجُودًا حالَ السَّلَمِ، بل يجوزُ أن يُسْلِمَ في الرُّطَبِ في أوَانِ الشِّتَاءِ، وفى كلِّ (٢) مَعْدُومٍ إذا كان مَوْجُودًا في المَحَلِّ. وهذا قولُ مالِكٍ، والشَّافِعِيِّ، وإسحاقَ، وابنِ المُنْذِرِ. وقال الثَّوْرِيُّ، والأَوْزَاعِىُّ، وأصْحَابُ الرَّأْىِ: لا يجوزُ حتى يكونَ جِنْسُه مَوْجُودًا حالَ العَقْدِ إلى حينِ المَحلِّ؛ لأنَّ كلَّ زَمَنٍ يجُوزُ أن يكونَ مَحلًّا لِلمُسْلَمِ فيه لِمَوْتِ المُسْلَمِ إليه، فَاعْتُبِرَ وُجُودُه فيه، كالمَحلِّ. ولَنا، أنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدِمَ المَدِينَةَ وهم يُسْلِفُونَ في الثِّمَارِ السَّنَةَ والسَّنَتَيْنِ، فقال: "مَنْ أَسْلَفَ فَلْيُسْلِفْ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ، [وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ، إلَى أجَلٍ مَعْلُومٍ"] (٣). ولم يَذْكُر الوُجُودَ، ولو كان شَرْطًا لذَكَرَه، ولَنَهَاهُم عن السَّلَفِ سَنَتَيْنِ؛ لأنَّه يَلْزَمُ منه انْقِطَاعُ المُسْلَمِ فيه أوْسَطَ السَّنَة، ولأنَّه يَثْبُتُ في الذِّمَّةِ، ويُوجَدُ في مَحلِّه غَالِبًا، فجَازَ السَّلَمُ فيه، كالمَوْجُودِ، ولا نُسَلِّمُ أنَّ الدَّيْنَ يَحِلُّ بالمَوْتِ، وإن سَلَّمْنا فلا يَلْزَمُ أن يشْتَرِطَ ذلك الوُجُود، إذْ لو لَزِمَ أفْضَى إلى أن تكَونَ آجَالُ السَّلَمِ مَجْهُولَةً، والمَحلُّ ما جَعَلَهُ المُتَعَاقِدَانِ مَحلًّا، وهاهُنا لم يَجْعَلَاهُ.

فصل: إذا تَعَذَّرَ تَسْلِيمُ المُسْلَمِ فيه عندَ المَحلِّ، إمَّا لِغَيْبَةِ المُسْلَمِ فيه (٤) أو عَجْزِه عن التَّسْلِيمِ، حتى عَدِمَ المُسْلَمُ فيه، أو لم تَحْمِلِ الثمارُ تلك السَّنَة، فالمُسْلِمُ بالخِيَارِ بين أن يَصْبِرَ إلى أن يُوجَدَ فيُطَالِبَ به، وبينَ أن يَفْسَخَ العَقْدَ ويَرْجِعَ بالثَّمَنِ إن كان مَوْجُودًا، أو بمِثْلِه إن كان مِثْلِيًّا، وإلَّا قِيمَتِه. وبه قال الشَّافِعِيُّ، وإسحاقُ،


(٢) في الأصل، م زيادة: "يوم".
(٣) سقط من: م. وتقدم تخريج الحديث في صفحة ٣٨٤.
(٤) في م: "إليه".

<<  <  ج: ص:  >  >>