للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالقَلِيلِ والكَثِيرِ، كما لو قال: مالٌ. لم يَزِدْ عليه. وهذا قولُ الشّافِعِىّ. وحُكِىَ عن أبي حنيفةَ: لا يُقْبَلُ تَفْسِيرُه بأقَلَّ من عَشرَةِ دَرَاهِمَ؛ لأنَّه يُقْطَعُ به السّارِقُ، ويكونُ صَدَاقًا عندَه. وعنه: لا يُقْبَلُ بأقَلّ من مائتَىْ دِرْهَمٍ. وبه قال صَاحِبَاهُ؛ لأنَّه الذي تَجِبُ فيه الزَّكَاةُ. وقال بعضُ أصْحَابِ مالِكٍ كقَوْلِهم في المالِ. ومنهم من قال: يَزِيدُ على ذلك أقَلَّ زِيَادَةٍ. ومنهم مَن قال: قَدْر الدِّيةِ. وقال اللَّيْثُ بن سَعْدٍ: اثْنَانِ وسَبْعُونَ؛ لأنَّ اللَّه تعالى قال: {لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ} (٢٥). وكانتْ غَزَوَاتُه وسَرَايَاه اثْنَتَيْنِ وسَبْعِينَ. قالوا: ولأن الحَبَّةَ لا تُسَمَّى مالًا عَظِيمًا ولا كَثِيرًا. ولَنا، أنَّ ما فُسِّرَ به المالُ فُسِّرَ به العَظِيمُ، كالذى سَلَّمُوه، ولأنَّ العَظِيمَ والكَثِيرَ لا حَدَّ له في الشَّرْعِ، ولا في اللُّغَةِ، ولا في العُرْفِ، ويَخْتَلِفُ الناسُ فيه؛ فمنهم من يَسْتَعْظِمُ القَلِيلَ، ومنهم من يَسْتَعْظِمُ الكَثِيرَ، ومنهم من يَحْتَقِرُ الكَثِيرَ، فلم يَثْبُتْ في ذلك حَدٌّ يُرْجَعُ إلى تَفْسِيرِه به، ولأنَّه ما مِن مالٍ إلَّا وهو عَظِيمٌ كَثِيرٌ بالنِّسْبَةِ إلى ما دُونَه. ويَحْتَمِلُ أنَّه أرَادَ عَظِيمًا عندَه؛ لِفَقْرِ نَفْسِه ودَنَاءَتِها، وما ذَكَرُوه فليس فيه تَحْدِيدٌ لِلْكَثِيرِ، وكونُ ما ذَكَرُوهُ كَثِيرًا لا يَمْنَعُ الكَثْرَةَ فيما دُونَه، وقد قال اللهُ تعالى: {اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا} (٢٦). فلم يَنْصَرِفْ إلى ذلك، وقال: {كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً} (٢٧). فلم يُحْمَلْ على ذلك. والحُكْمُ فيما إذا قال: عَظِيمٌ جِدًّا، أو عَظِيمٌ عَظِيمٌ. كما لو لم يَقُلْهُ؛ لما قَرَّرْنَاهُ.

فصل: وإن قال: له عَلَىَّ أَكْثَرُ من مالِ فُلَانٍ. فَفَسَّرَهُ بأَكْثَرَ منه عَدَدًا أو قَدْرًا، لَزِمَهُ أكْثَرُ منه، وتُفَسَّرُ الزِّيَادَةُ بأىِّ شيءٍ أرَادَ، ولو حَبَّةٍ أو أقَلَّ. وإن قال: ما عَلِمْتُ لِفُلَانٍ أكْثَرَ من كذا وكذا (٢٨). وقامَتِ البَيِّنَةُ بأَكْثَرَ منه، لم يَلْزَمْهُ أكْثَرُ ممَّا اعْتَرَفَ به؛ لأنَّ مَبْلَغَ المالِ حَقِيقَةً لا يُعْرَفُ في الأَكْثَرِ، وقد يكون ظَاهِرًا وبَاطِنًا، فيَمْلِكُ ما لا يَعْرِفُه


(٢٥) سورة التوبة ٢٥.
(٢٦) سورة الأحزاب ٤١.
(٢٧) سورة البقرة ٢٤٩.
(٢٨) في م: "أو كذا".

<<  <  ج: ص:  >  >>