للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصل: وأىُّ البَيِّنَتَيْن قدَّمْنَاها، لم يَحْلِفْ صَاحِبُها معها. وقال الشَّافِعىُّ، فى أحَدِ قوْلَيْه: يُسْتَحْلَفُ صَاحِبُ اليَدِ؛ لأنَّ الْبَيِّنَتَيْن سَقَطَتَا بتعارُضِهما، فصَارَا كمَنْ لا بَيِّنةَ لهما، فيَحْلِفُ الدَّاخِلُ (٩) كما لو لِم تَكُنْ لواحدٍ منهما بَيِّنَةٌ. ولَنا، أَنَّ إحْدَى الْبَيِّنَتَيْن رَاجِحَةٌ، فيَجِبُ الحُكْمُ بها مُنْفرِدَةً، كما لو تَعارَضَ خَبَران، خَاصٌّ وعَامٌّ، أو أحَدُهما أرْجَحُ بوَجْهٍ من الوُجُوه، ولا نُسَلِّمُ أَنَّ الْبَيِّنَةَ الرَّاجِحَةَ تَسْقُطُ، وإنَّما تَرْجُحُ، ويُعْمَلُ بها، وتَسْقُطُ المَرْجُوحَة.

فصل: فإنْ كانتِ الْبَيِّنَةُ لأحَدِهما دونَ الآخَرِ، نَظَرْتَ؛ فإنْ كانتِ الْبَيِّنَةُ للمُدَّعِى وَحْدَه، حُكِمَ بها، ولم يَحْلِفْ، بغيْرِ خِلافٍ فى المذهبِ. وهو قولُ أهْلِ الفُتْيَا من أهلِ الأمْصَارِ؛ منهم الزُّهْرِىُّ، وأبو حنيفةَ، ومالكٌ، والشَّافِعىُّ. وقال شُرَيحٌ، وعَونُ بنُ عبد اللَّه (١٠)، والنَّخَعِىُّ، والشَّعْبِىُّ، وابن أبى ليْلَى: يُسْتَحْلَفُ الرجُلُ مع بَيِّنَتِه. قال شُرَيحٌ لرجُلٍ (١١): لو أثْبَتَ عِنْدِى كذا وكذا شاهِدًا، ما قَضَيْتُ لك حتَّى تحْلِفَ (١٢). ولَنا، قولُ النَّبىِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- للحَضْرَمِىِّ: "بيِّنَتُكَ، أو يَمِينُه، لَيْسَ لَكَ إِلَّا ذلِكَ" (١٣). وقولُ النَّبِىِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "البيِّنَةُ على المُدَّعِى، واليَمِينُ عَلَى المُدَّعَى علَيْهِ". ولأنَّ البَيِّنَةَ إحْدَى حُجَّتَىِ الدَّعْوَى، فيُكْتَفَى بها، كاليَمِينِ. قال أصْحَابُنا: ولا فَرْقَ بين الحَاضِرِ والْغَائِبِ، والحَىِّ والمَيِّتِ، والصَّغِيرِ والكَبِيرِ، والمَجْنُونِ والمُكَلَّفِ. وقال الشَّافِعِىُّ: إذا كان المشْهُودُ عليه لا يعبِّرُ عن نَفْسِه، أُحْلِفَ (١٤) المَشْهُودُ له؛ لأنَّه لا يُمْكِنُه أَنْ يُعَبِّرَ عن نَفْسِه فى دَعْوَى القَضَاءِ والإِبْرَاءِ، فيَقُومُ الحَاكمُ مَقامَه فى ذلك، لِتَزُولَ الشُّبْهَةُ. وهذا حَسَنٌ؛ فإِنَّ قِيامَ الْبَيِّنَة للمُدَّعِى بثُبُوتِ حَقِّه، لا يَنْفِى احْتِمالَ القَضَاءِ والإِبْرَاءِ، بدَليلِ أَنَّ


(٩) سقط من: أ.
(١٠) عون بن عبد اللَّه بن عتبة بن مسعود الهذلى، كان من آدب أهل المدينة وأفقههم، توفى سنة بضع عشرة ومائة. سير أعلام النبلاء ٥/ ١٠٣ - ١٠٥.
(١١) لم يرد فى: الأصل، أ، ب.
(١٢) فى أخبار القضاة، لوكيع ٢/ ٣١٠، أنه قضى باليمين مع الشاهد.
(١٣) تقدم تخريجه، فى: صفحة ٣٢.
(١٤) فى أ: "حلف".

<<  <  ج: ص:  >  >>