للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صاحِبُهَا، وإلَّا فَهِىَ كَسَبِيلِ مَالِكَ". وقوله: "فَاسْتَنْفِقْهَا". ولو وَقَفَ مِلْكُها على تَمَلُّكِهَا لَبَيَّنَهُ له، ولم يُجَوِّزْ له التَّصَرُّفَ قبلَه. وفى لَفْظٍ: "فَهِىَ لَكَ". وفى لَفْظٍ: "كُلْهَا". وهذه الألْفاظُ كلها تَدُلُّ على ما قُلْنَا. ولأنَّ الالْتِقَاطَ والتَّعْرِيفَ سَبَبٌ للتَّمَلُّكِ (١٠)، فإذا تَمَّ وَجَبَ أن يَثْبُتَ به المِلْكُ حُكْمًا، كالإِحْياءِ والاصْطِيَادِ. ولأنَّه "سَبَبٌ يُمْلَكُ به، فلم يَقِفِ المِلْكُ بعدَه على قَوْلِه، ولا اخْتِيَارِه، كسائِر الأسْبابِ؛ وذلك لأنَّ المُكَلَّفَ ليس إليه إلَّا مُبَاشَرَةُ الأسْبابِ، فإذا أتَى بها، ثَبَتَ الحُكْمُ قَهْرًا وجَبْرًا من اللَّه تِعالى، غيرَ مَوْقُوفٍ على اخْتِيَارِ المُكَلَّفِ. وأمَّا الاقْتِرَاضُ فهو السَّبَبُ في نَفْسِه، فلم يَثْبُت المِلْكُ بِدُونِه.

فصل: فإن الْتَقَطَها اثْنَانِ، فعَرَّفاهَا حَوْلًا، مَلَكَاها جَمِيعًا. وإن قُلْنا بِوُقُوفِ المِلْكِ على الاخْتِيَارِ، فاخْتارَ أحَدُهُما دُونَ الآخَر، مَلَكَ المُخْتارُ نِصْفَها دُونَ الآخَر. وإن رَأَيَاها معًا، فبادَرَ أحَدُهُما فأخَذَها، أو رَآها أحَدُهُما، فأعْلَمَ بها صاحِبَه، فأخَذَها، فهى لآخِذِها؛ لأنَّ اسْتِحْقاقَ اللُّقَطَةِ بالأخْذِ لا بالرُّؤْيةِ، كالاصْطِيادِ. وإن قال أحَدُهُما لِصَاحِبه: هاتِها. فأخَذَها، نَظَرْتَ في نِيَّتِه؛ فإن أخَذَها لِنَفْسِه، فهى له دون الآمِرِ (١١)، وإن أخَذَها للآمِرِ، فهى له، كما لو وَكَّلَه في الاصْطِيَادِ له.

فصل: وتُمْلَكُ اللُّقَطَةُ مِلْكًا مُرَاعًى، يَزُولُ بمَجِىءِ صاحِبِها، ويَضْمَنُ له بَدَلَها إن تَعَذَّرَ رَدُّها. والظاهِرُ أنَّه يَمْلِكُها بغيرِ عِوَضٍ يَثْبُتُ في ذِمَّتِه، وإنَّما يَتَجَدَّدُ وُجُوبُ العِوَضِ بمَجِىءِ صاحِبِها، كما يَتَجَدَّدُ زَوَالُ المِلْكِ عنها بمَجِيئِه، وكما يَتَجَدَّدُ وُجُوبُ (١٢) نِصْفِ الصَّدَاقِ للزَّوْجِ، أو بَدَلِه إن تَعَذَّرَ ثُبُوتُ المِلْكِ فيه بالطَّلَاقِ. وهذا قول بعضِ أصْحابِ الشّافِعِىِّ. وقال أكْثَرُهُم: لا يَمْلِكُها إلَّا بِعِوَضٍ يَثْبُتُ في


(١٠) في م: "للتمليك".
(١١) في الأصل: "الآخر".
(١٢) سقط من: الأصل.

<<  <  ج: ص:  >  >>