للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نَجِسًا، وهذا تَعْلِيلٌ من النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- يجبُ المصيرُ إليه، ولأنه إزالةُ نَجَاسةٍ، فلا يَحْصُلُ بالنَّجاسةِ كالغَسْلِ، فإن اسْتَنْجَى بنَجِسٍ احْتَمَلَ أنْ لا يُجْزِئَه الاسْتِجْمارُ بعدَه؛ لأنَّ المَحَلَّ تَنَجَّسَ بنجاسةٍ مِن غيرِ المخْرَجِ، فلم يُجْزِىءْ فيها غيرُ الماءِ، كما لو تَنَجَّسَ ابتداءً، ويَحْتَمِلُ أن يُجْزِئَه؛ لأنَّ هذه النَّجاسةَ تابعةٌ لنجاسةِ المَحَلِّ، فزالتْ بزَوَالِها.

٣٩ - مسألة؛ قال: (إلا الرَّوْثَ والعِظَامَ والطَّعَامَ).

وجُمْلتُه، أنه لا يجوزُ الاسْتِجْمارُ بالرَّوْثِ ولا العِظامِ، ولا يُجْزِىءُ في قَوْلِ أَكْثَرِ أهلِ العِلْم، وبهذا قال الثَّوْرِيُّ، والشافِعِىُّ، وإسْحَاق. وأباحَ أبو حنيفة الاسْتِنْجاءَ بهما؛ لأنَّهما يُجفِّفانِ النَّجاسةَ، ويُنَقِّيان المَحَلَّ، فَهُما كالحَجَرِ. وأباح مالكٌ الاسْتِنْجاءَ بالطَّاهرِ منهما. وقد ذَكَرْنا نَهْىَ النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- عنهما، ورَوَى مُسْلِم (١)، عن ابنِ مَسْعُود، قال: قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لَا تَسْتَنْجُوا بالرَّوْثِ ولا بالعِظامِ؛ فإنَّه زَادُ إخْوَانِكُم مِنَ الجِنِّ". ورَوَى الدَّارَقُطْنِىُّ (٢)، أن النبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- نَهَى أن نَسْتَنْجِىَ برَوْثٍ أو عَظْمٍ؛ وقال: "إنَّهُما لا يُطَهِّرانِ". وقال: إسنادٌ صحيحٌ. ورَوَى أبُو دَاوُد (٣)، عنه عليه السَّلام، أنه قال لِرُوَيْفِع بن ثَابِت، أبي بَكْرةَ (٤): "أَخْبِرِ النَّاسَ أنَّه مَنِ اسْتَنْجَى برَجِيعٍ أو عَظْمٍ فَهُوَ بَرِىءٌ مِنْ (٥) مُحَمَّدِ". وهذا عامٌّ في الطَّاهرِ منها، والنَّهْىُ يَقْتَضِى الفَسَادَ وعَدَمَ الإِجْزاءِ. فأما الطَّعَامُ فتَحْرِيمُه مِن طَريقِ التَّنْبِيه؛ لأنَّ النبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- عَلَّلَ النَّهْىَ عن الرَّوْثِ والرِّمَّةِ، في حديثِ ابنِ مَسْعُودٍ،


= أحمد، بهذا اللفظ، في: المسند ١/ ٣٣٨، ٤٢٧، ٤٥٠.
(١) لم نجده عند مسلم. وإنما هو عند الترمذي، في: باب كراهية ما يستنجى به، من أبواب الطهارة، وفى: تفسير سورة الأحقاف، من أبواب التفسير. عارضة الأحوذى ١/ ٣٦، ١٢/ ١٤٣.
(٢) في: باب الاستنجاء، من كتاب الطهارة. سنن الدارقطني ١/ ٥٦.
(٣) في: باب ما ينهى عنه أن يستنجى به، من كتاب الطهارة. سنن أبي داود ١/ ٩. وأخرجه الإمام أحمد، في المسند ٤/ ١٠٨، ١٠٩.
(٤) سقطت الكنية من: الأصل.
(٥) في م زيادة: "دين". وفى الترمذي: "فإنَّ مُحَمَّدًا -صلى اللَّه عليه وسلم- مِنْهُ بَرِىءٌ".

<<  <  ج: ص:  >  >>