للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثَمَنِه. ولَنا، ما رَوَى ابنُ أبى ذِئْبٍ، عن الزُّهْرِىِّ، عن سَعِيدِ بن المُسَيَّبِ، أنَّ رسولَ اللَّه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "لا يَغْلَقُ الرَّهْنُ، لِصَاحِبِه غُنْمُه، وعَلَيْه غُرْمُهُ" (٣). رَوَاهُ الأَثْرَمُ عن أحْمَدَ بن عبد اللهِ بن يُونسَ عن ابن أبى ذِئْبٍ، ورَوَاهُ الشَّافِعِىُّ عن ابنِ أبى فُدَيْكٍ عن ابن أبى ذِئْبٍ، ولَفْظُه: "الرَّهْنُ من صَاحِبِه الذى رَهَنَهُ". وبَاقِيهِ سواءٌ. قال: وَوَصَلَهُ ابنُ المُسَيَّبِ، عن أبِى هُرَيْرَةَ، عن النَّبِىِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مثلَه أو مثلَ مَعْنَاه من حَدِيثِ [ابن] (٤) أبى أُنَيْسَة. ولأنَّه وَثِيْقَةٌ بالدَّيْنِ، فلا يَضْمَنُ، كالزِّيَادَةِ على قَدْرِ الدَّيْنِ، وكالكَفِيلِ والشَّاهِدِ، ولأنَّه مَقْبُوضٌ بِعَقْدٍ واحدٍ بعضُه أمَانَةٌ، فكان جَمِيعُه أمَانَةً، كالوَدِيعَةِ. وعلَى (٥) مالِكٍ: أنَّ ما لا يُضْمَنُ به العَقَارُ، لا يُضْمَنُ به الذَّهَبُ. كالوَدِيعَةِ، فأمَّا حَدِيثُ عَطَاءٍ فهو مُرْسَلٌ، وقولُ عَطَاءٍ يُخَالِفُه، قال الدَّارَقُطْنِىّ: يَرْوِيه إسْمَاعِيلُ بن أُمَيَّةَ، وكان كَذَّابًا، وقيل: يَرْوِيهِ مُصْعَبُ بن ثَابِتٍ، وكان ضَعِيفًا. ويَحْتَمِلُ أنَّه أرَادَ، ذَهَبَ حَقُّكَ من الوَثِيقَةِ، بِدَلِيلِ أنَّه لم يَسْأَلْ عن قَدْرِ الدَّيْنِ وقِيمَةِ الفَرَسِ، وحَدِيثُ أَنَسٍ إن صَحَّ، فيَحْتَمِلُ أنَّه مَحْبُوسٌ بما فيه، وأمَّا المُسْتَوْفَى فإنه صَارَ مِلْكًا لِلْمُسْتَوْفِى، وله نَمَاؤُه وغُنْمُه، فكان عليه ضَمَانُه وغُرْمُه، بِخِلَافِ الرَّهْنِ، والبَيْعُ قبلَ القَبْضِ مَمْنُوعٌ.

فصل: وإذا قَضاهُ جَمِيعَ الحَقِّ، أو أبْرَأَهُ من الدَّيْنِ، بَقِىَ الرَّهْنُ أمَانَةً فى يَدِه، وبهذا قال الشَّافِعِىُّ. وقال أبو حنيفةَ: إذا قَضاهُ كان مَضْمُونًا، وإذا أبْرَأَهُ أو وَهَبَهُ لم يكُنْ مَضْمُونًا اسْتِحْسَانًا. وهذا مُنَاقَضَةٌ؛ لأنَّ القَبْضَ مَضْمُونٌ منه، لم يَزُلْ، ولم يُبْرِئْهُ منه. وعندنا أنَّه كان أمَانَةً، وبَقِىَ على ما كان عليه، وليس عليه رَدُّه؛ لأنَّه أمْسَكَهُ بإذْنِ مَالِكِه، ولا يَخْتَصُّ بنَفْعِه، فهو كالوَدِيعَةِ، بخِلَافِ العَارِيَّةِ، فإنَّه يَخْتَصُّ بِنَفْعِها، وبِخِلَافِ ما لو أطَارَتِ الرِّيحُ إلى دَارِه ثَوْبًا، لَزِمَهُ رَدُّه إلى مَالِكِه؛ لأنَّ مَالِكَه لم يَأْذَنْ فى إمْسَاكِه، فأمَّا إن سَأَلَ مَالِكُه فى هذه الحالِ دَفْعَهُ إليه،


(٣) تقدم تخريجه فى صفحة ٤٤٤.
(٤) سقط من النسخ. وهو يحيى ابن أبى أنيسة. انظر تهذيب التهذيب ١١/ ١٨٣. والحديث فى: ترتيب مسند الشافعى ٢/ ١٦٣، ١٦٤.
(٥) فى م: "وعند".

<<  <  ج: ص:  >  >>