للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَحْصُلُ فى الغَالِبِ إلَّا بعدَ كُلْفَةٍ عظيمةٍ (٨)، ومَشَقَّةٍ شَدِيدَةٍ، وإنْفاقِ مالٍ كَثِيرٍ، ففى إبْطالِهما تَضْيِيعٌ لِمَالِهِ، وإبْطالٌ لأعْمالِه الكَثِيرَةِ، وقد نُهِينَا عن إضاعَةِ المالِ، وإبْطالِ الأعْمالِ، وليس فى تَرْكِ الاعْتِكافِ بعد الشُّرُوعِ فيه مالٌ يَضِيعُ، ولا عَمَلٌ يَبْطُلُ، فإنَّ ما مَضَى من اعْتِكافِه، لا يَبْطُلُ بِتَرْكِ اعْتِكَافِ المُسْتَقْبَلِ، ولأنَّ النُّسُكَ يَتَعَلَّقُ بِالمسجدِ الحَرامِ على الخُصُوصِ، والاعْتِكافُ بِخِلافِه.

٥٢٧ - مسألة؛ قال: (ويَجُوزُ بِلَا صَوْمٍ، إلَّا أنْ يَقُولَ فِى نَذْرِهِ بِصَوْمٍ)

المَشهورُ فى المذهبِ أنَّ الاعْتِكافَ يَصِحُّ بغيرِ صَوْمٍ. رُوِىَ ذلك عن عليٍّ، وابْنِ مسعودٍ، وسعيدِ بن المُسَيَّبِ، وعمرَ بن عبدِ العزيزِ، والحسنِ، وعَطاءٍ، وطاوُسٍ، والشَّافِعِىِّ، وإسحاقَ. وعن أحمدَ، رِوَايَةٌ أُخْرَى، أنَّ الصَّوْمَ شَرْطٌ فى الاعْتِكافِ. قال: إذا اعْتَكَفَ يَجِبُ عليه الصَّوْمُ. ورُوِىَ ذلك عن ابنِ عمرَ، وابنِ عَبَّاسٍ، وعائشةَ. وبه قال الزُّهْرِىُّ، ومالِكٌ، وأبو حنيفةَ، واللَّيْثُ، والثَّوْرِىُّ، والحسنُ بن يحيى؛ لما رُوِىَ عن عائشةَ، عن النَّبِىِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، أنَّه قال: "لَا اعْتِكَافَ إلَّا بِصَوْمٍ". رَوَاهُ الدَّارَقُطنِىُّ (١). وعن ابنِ عمرَ، أن عمرَ جَعَلَ عليه أن يَعْتَكِفَ فى الجَاهِلِيَّةِ، فسَألَ النَّبِىَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فقال: "اعْتَكِفْ، وصُمْ". رَوَاهُ أبو دَاوُدَ (٢). ولأنَّه لُبْثٌ فى مَكانٍ مَخْصُوصٍ. فلم يَكُنْ بِمُجَرَّدِه قُرْبَةً، كالوُقُوفِ. ولَنا، ما رَوَى ابنُ عمرَ، عن عمرَ، أنَّه قال: يا رسولَ اللَّه، إنِّى نَذَرْتُ فى الجَاهِلِيَّةِ أن أعْتَكِفَ لَيْلَةً فى المسجدِ الحَرامِ. فقال النَّبِىُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أَوْفِ بِنَذْرِكَ". رَوَاهُ البُخَارِىُّ (٣). ولو كان الصَّوْمُ شَرْطًا لمَا صَحَّ اعْتِكافُ اللَّيْلِ، لأنَّه


(٨) فى م: "عظمى".
(١) فى: باب الاعتكاف، من كتاب الصِّيام. سنن الدارقطنى ٢/ ٢٠٠.
كما أخرجه البيهقى، فى: باب المعتكف يصوم، من كتاب الصِّيام. السنن الكبرى ٤/ ٣١٧.
(٢) فى: باب المعتكف يعود المريض، من كتاب الصيام. سنن أبي داود ١/ ٥٧٦.
(٣) تقدَّم تخريجه فى صفحة ٤٥٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>