للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نَصَّ عليهما أحمدُ، وقال: وما بَأْسٌ بذلك، قد فَعَلَهُ عِدَّةٌ من أصْحَابِ رسولِ اللهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-. وفي حديثِ ابنِ عَبَّاسٍ، قال: انْتَهَى النَّبِىُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى قَبْرٍ رَطْبٍ، فَصَفُّوا خَلْفَهُ، وكَبَّرَ أَرْبَعًا. مُتَّفَقٌ عليه (٩).

فصل: وتجوزُ الصَّلَاةُ على الغائِبِ في بَلَدٍ آخَرَ بِالنِّيَّةِ، فَيَسْتَقْبِلُ القِبْلَةَ، ويُصَلِّى عليه كصَلَاتِه على حَاضِرٍ، وسَوَاءٌ كان المَيِّتُ في جِهَةِ القِبْلَةِ أو لم يكنْ، وسَوَاءٌ كان بين البَلَدَيْنِ مسافَةُ القَصْرِ أو لم يكنْ. وبهذا قال الشَّافِعِىُّ. وقال مالِكٌ، وأبو حنيفةَ: لا يجوزُ. وحَكَى ابنُ أبي موسى، عن أحمدَ رِوَايَةً أُخْرَى كقَوْلِهما؛ لأنَّ مِن شَرْطِ الصَّلَاةِ على الجِنازَةِ حُضُورَهَا، بِدَلِيلِ ما لو كان في البَلَدِ لم تَجُزِ الصلاةُ عليها مع غَيْبَتِها عنه. ولَنا، ما رُوِىَ عن النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، أنَّه نَعَى النَّجَاشِىَّ صَاحِبَ الحَبَشَة اليومَ الذي ماتَ فيه، وصَلَّى بهم بالمُصَلَّى، فكَبَّرَ عَليه أرْبَعًا. مُتَّفَقٌ عليه (١٠). فإن قيل: فيَحْتَمِلُ أنَّ النَّبِىَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- زُوِيَتْ له الأرْضُ، فأُرِىَ الجِنَازَةَ. قُلْنا: هذا لم يُنْقَلْ، ولو كان لأخْبَرَ به، ولَنا أن نَقْتَدِىَ بالنَّبِىِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- ما لم يَثْبُتْ ما يَقْتَضِى اخْتِصاصَهُ، ولأنَّ المَيِّتَ مع البُعْدِ لا تجوزُ الصلاةُ عليه وإن رُئِىَ، ثم لو رَآهُ النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- لَاخْتَصَّتِ الصلاةُ به، وقد صَفَّ النَّبِىُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- فَصَلَّى بهم. فإن قيل: لم يَكُنْ بِالحَبَشَةِ مَن يُصَلِّى عليه. قُلْنا: ليس هذا مَذْهَبَكُم، فإنَّكُم لا تُجِيزُونَ الصلاةَ على الغَرِيقِ، والأسِيرِ، ومَن ماتَ بِالْبَوَادِى، وإن كان لم يُصَلَّ عليه، ولأنَّ هذا بَعِيدٌ؛ لأنَّ النَّجاشِىَّ مَلِكُ الحَبَشَةِ، وقد أَسْلَمَ وظهَرَ (١١) إسْلامُه، فيبْعُدُ أن يكونَ لم يُوافِقْهُ أحَدٌ يُصَلِّى عليه.

فصل: فإنْ كان المَيِّتُ في أحَدِ جَانِبَىِ البَلَدِ لم يُصَلِّ عليه مَن في (١٢) الجانِبِ


(٩) تقدم تخريجه في صفحة ٤٤٤.
(١٠) تقدم تخريجه في صفحة ٤٢١.
(١١) في أ، م: "وأظهر".
(١٢) سقط من: أ، م.

<<  <  ج: ص:  >  >>