للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أن لا يُعزَّرُوا؛ لأنَّ رجوعَهم تَوبةٌ منهم، فيَسْقُطُ عنهم التَّعْزِيرُ، ولأنَّ شَرْعِيَّةَ تَعْزِيرِهم تمنْعُهم الرُّجوعَ خوفًا منه، فلا يُشْرَعُ. وإن قالوا: أخْطَأْنا. لم يُعَزَّروا؛ لأنَّ اللَّه تعالى قال: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} (٣٤). هذا إن كان قولُهم يَحْتَمِلُ الصِّدقَ فى الخطَأِ، وإن لم يَحْتَمِلْه (٣٥)، عُزِّرُوا، ولم يُقْبَلْ قَوْلُهم.

١٩٢١ - مسألة؛ قال: (وَإِذَا قَطَعَ الْحَاكِمُ يَدَ السَّارِقِ، بِشَهَادَةِ اثْنَيْنِ، ثُمَّ بَانَ أَنَّهُمَا كَافِرَانِ، أَوْ فَاسِقَانِ، كَانَتْ دِيَةُ اليَدِ فِى بَيْتِ الْمَالِ)

وجملتُه أَنَّ الحاكمَ إذا حكَمَ بشَهادةِ اثْنَيْنِ، فى قَطْع أو قَتْلٍ، وأنفَذَ ذلك، ثم بانَ أنَّهما كافرانِ، أو فاسِقانِ، أو عَبْدان، أو أحدُهما، فلا ضمانَ على الشَّاهِدَيْنِ؛ لأنَّهما مُقِيمان على أنَّهما صادِقان فيما شَهِدَا به، وإنَّما الشَّرْعُ مَنَعَ قَبولَ شهادتِهما، بخِلافِ الرَّاجِعَيْنِ عن الشَّهادةِ، فإنَّهما اعْتَرَفا بكَذِبهما، ويجبُ الضَّمانُ على الحاكمِ، أو الإِمامِ الذى تَولَّى ذلك؛ لأنَّه حكمَ بشهادَةِ مَن لا يَجوزُ له الحكمُ بشَهادتِه، ولا قِصاصَ عليه، لأنَّه مُخْطِىءٌ، وتجبُ الدِّيَةُ، وفى مَحَلِّها رِوَايتان؛ إحداهما، فى بيتِ المالِ؛ لأنَّه نائبٌ للمُسلمين ووكيلُهم، وخَطأُ الوَكيلِ فى حَقِّ موكِّلِه عليه؛ ولأنَّ خطأَ الحاكمِ يكْثُرُ، لكثْرةِ (١) تَصَرُّفاتِه وحُكوماتِه، فإيجابُ ضَمانِ ما يَخْطِىءُ فيه على عاقِلَتِه إجْحافٌ بهم، فاقْتَضَى ذلك التَّخْفيفَ عنه، بجَعْلِه فى بيتِ المالِ، ولهذا المعنَى حَمَلَتِ العاقلةُ دِيَةَ الخَطأِ عن القاتلِ. والرِّوايةُ الثانية، هى على عاقلتِه مُخَفَّفةً مُؤجَّلةً؛ لما رُوِىَ أَنَّ امرأةً ذُكِرَتْ عند عمرَ بسُوءٍ، فأرْسلَ إليها، فأجْهَضَتْ ذا بَطْنِها، فبلغ ذلك عمرَ، فشَاورَ الصَّحابةَ، فقال بعضُهم: لا شىءَ عليك، إنَّما أنتَ مُؤدِّبٌ. وقالَ علىٌّ: عليك الدِّيَةُ. فقال عمرُ: عَزمْتُ عليكَ لا تَبْرَحْ حتى تُقَسِّمَها على قَوْمِك (٢). يعنى قريشًا؛


(٣٤) سورة الأحزاب ٥.
(٣٥) فى ب: "يحتمل".
(١) فى الأصل: "بكثرة".
(٢) تقدم تخريحه، فى: ١٢/ ٣٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>