للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا يَرِثُ؛ لأنَّه إنَّما عَتَقَ بعدَ المَوْتِ. وإن وُهِبَ له أبُوه، عَتَقَ، ووَرِثَ؛ لأنَّ الهِبَةَ ليست بِوَصِيَّةٍ، وكذلك إن وَرِثَه. وإن اشْتَرَى أبَاهُ، ثم أعْتَقَه، لم يَعْتِقْ على قول القاضي؛ لأنَّه إذا لم يَعْتِقْ بالمِلْكِ، وهو أقْوَى من الإِعْتاقِ بالقَوْلِ، بِدَلِيلِ نُفُوذِه في (٥٦) حَقِّ الصَّبِىِّ والمَجْنُونِ، فأَوْلَى أن لا يَنْفُذَ بالقَوْلِ.

فصل: وإن مَلَكَ المَرِيضُ مَنْ يَرِثُه ممَّن لا يَعْتِقُ عليه، كابْنِ عَمِّه، فأعْتَقَه في مَرَضِه، كان إعْتاقُه وَصِيَّةً مُعْتَبَرةً من الثُّلُثِ، بِدَلِيلِ أنَّ النبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أقْرَعَ بين العَبِيدِ الذين أعْتَقَهُم مالِكُهُم عندَ مَوْتِه، ولم يكن له مالٌ سِوَاهم (٥٧)، فاعْتُبِرَ عِتْقُهُم من الثُّلُثِ. فعلى هذا يُعْتَبَرُ خُرُوجُ المُعْتَقِ من الثُّلُثِ، فإن خَرَجَ من الثُّلثِ عَتَقَ ولم يَرِثْ. ذَكَرَه أبو الخَطَّابِ، في مَرِيضٍ مَلَكَ ابْنَ عَمِّهِ في مَرَضِه، فأقَرَّ بأنَّه كان أعْتَقَه في صِحَّتِه، عَتَقَ ولم يَرِثْ؛ لأنَّه لو وَرِثَ لَكان إقْرَارُه لِوَارِثٍ، فلا يُقْبَلُ، فيُؤَدِّى تَوْرِيثُه إلى إبْطالِ عِتْقِه، ثم يَبْطُلُ مِيراثُه، فكان إعْتاقُه من غيرِ تَوْرِيثٍ أَوْلَى. ومُقْتَضَى قولِ القاضي، أنَّه يَعْتِقُ ويَرِثُ؛ لأنَّه حُرٌّ حين مَوْتِ مَوْرُوثِه، ليس بقاتِلٍ، ولا مُخَالِفٍ لِدِينِه، فوَرِث (٥٨) , كما لو وَرِثَه. وإن لم يَخْرُجْ من الثُّلُثِ، عَتَقَ منه بِقَدْرِ الثُّلُثِ. ولا يَرِثُ، على القولِ الأوَّل. وعلى قول القاضِى، يَنْبَغِى أن يَرِثَ بِقَدْرِ ما فيه من الحُرِّيَّةِ، على ما ذُكِرَ (٥٩) في المُعْتَقِ بعضُه.

فصل: وما لَزِمَ المَرِيضَ في مَرَضِه من حَقٍّ لا يُمْكِنُه دَفْعُه وإسْقاطُه، كأَرْشِ الجِنَايةِ، وجِنَايةِ عَبْدِه، وما عاوَضَ عليه بِثَمَنِ المِثْلِ، وما يَتَغَابَنُ الناسُ بمثْلِه، فهو من رَأْسِ المالِ. لا نَعْلَمُ فيه خِلَافًا. وهذا عندَ الشافِعِيِّ، وأصْحابِ الرَّأْىِ. وكذلك النِّكَاحُ بمَهْرِ المِثْلِ جائِزٌ من رَأْسِ المالِ؛ لأنَّه صَرْفٌ لمالِه في حاجَةِ نَفْسِه، فيُقَدَّمُ بذلك


(٥٦) في م: "ففى".
(٥٧) تقدم تخريجه في صفحة ٣٩٥.
(٥٨) في م: "ويرث".
(٥٩) في م: "يذكر".

<<  <  ج: ص:  >  >>