للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَصَرُّفِ سَيِّدِها، وهذا لا يَحْصُلُ بالاسْتِيلادِ، فيَجبُ أَنْ تَبْقَى لبقاءِ فائِدَتِها. الثانى، أَنَّ الكِتابةَ أقْوَى من التَّدْبيرِ، لِلُزُومِها، وكَوْنِها لا تَبْطلُ بالرُّجُوعِ عنها، ولا بِبَيْعِ المُكاتَبِ ولا هِبَتِه. الثالث، أَنَّ التَّدْبِيرَ تَبَرُّعٌ، والكِتابة عَقْدُ مُعاوَضةٍ لازِمٌ. فإذا ثَبَتَ هذا، فإنَّه يَجْتَمِعُ لها سَبَبان، كلُّ واحدٍ منهما يَقْتَضِى الحُرِّيَّةَ، فأيُّهما تَمَّ قبلَ صاحِبِه، ثَبَتَتِ الحُرِّيَّةُ به، كما لو انْفَرَدَ؛ لأنَّ انْضِمامَ أحَدِهما إلى الآخَرِ مع كونِه لا يُنَافِيه، لا يَمْنَعُ ثُبُوتَ حُكْمِه. فإِن أدَّتْ، عَتَقَتْ بالكِتابةِ، وما فَضَلَ من كَسْبِها فهو لها؛ لأنَّ المُعْتَقَ بالكِتابةِ له ما فَضَلَ من نُجُومِه، وإن عَجَزَتْ، ورُدَّتْ فى الرِّقِّ، بَطَلَ حُكْمُ الكِتابةِ، وبَقِىَ لها حكمُ الاسْتِيلادِ مُنْفَرِدًا، كما لو لم تَكُنْ مُكاتَبَةً، وله وَطْؤُها، وتَزْوِيجُها، وإجارَتُها، وتَعْتِقُ بمَوْتِه، وما فى يَدِها لوَرَثةِ سَيِّدِها. وإذا (٦) مات سَيِّدُها قبل عَجْزِها، انْعَتَقَتْ، لأنَّها أُمُّ ولَد، وتَسْقُطُ الكِتابةُ؛ لأنَّ الحُرِّيَّةَ حَصَلَتْ، فسَقَطَ العِوَضُ المبْذولُ فى تَحْصِيلها، كما لو باشَرَها سَيِّدُها بالعِتْقِ، وما فى يَدِها لوَرثةِ سَيِّدِها. فى قولِ الْخِرَقِىِّ، وأبى الخَطَّابِ؛ لأنَّها عَتَقَتْ بحُكْمِ الاسْتِيلادِ (٧)، وبَطَلَ حكمُ الكِتابةِ، فأشْبَهَتْ غيرَ المُكاتَبةِ. وقال القاضِى، فى "المُجَرَّدِ"، وابنُ عَقِيلٍ، فى "كِتابه": ما فَضَلَ فى يَدِها لها. وهو قولُ الشافعىِّ؛ لأنَّ العِتْقَ إذا وَقَعَ فى الكِتابةِ، لا يُبْطِلُ حُكْمَها، كالإِبْراءِ من نُجُومِ الكِتابةِ، ولأنَّ مِلْكَها كان ثابتًا على ما فى يَدِها، ولم يَحْدُثْ إِلَّا ما يُزِيلُ حَقَّ سَيِّدِها عنها، فيَقْتَضِى زَوَالَ حَقِّه عن ما فى يَدِها، وتَقْرِيرَ مِلْكِها، وخُلُوصَه لها، كما اقْتَضَى ذلك فى نَفْسِها. وهذا أصَحُّ. واللَّهُ أعلمُ.

فصل: وإِنْ أعْتَقَها سَيِّدُها، عَتَقَتْ، وسَقَطتْ كِتَابَتُها، وما فى يَدِها لها. فى قولِ القاضِى [ومَنْ وافَقَه] (٨)، فأمَّا على قولِ الْخِرَقِىِّ ومَنْ وافَقَه، فقِياسُه أَنْ يكونَ لسَيِّدِها، كما لو عَتَقَتْ بالاسْتِيلادِ. ويَحْتَمِلُ أَنْ يكونَ لها على قولِهم أيضًا؛ لأنَّ السَّيِّدَ أعْتَقَها برِضَاهُ، فيكونُ رِضًى منه بإعْطائِها مالَها، بخِلافِ العِتْقِ بالاسْتِيلادِ، فإنَّه حَصَلَ بغيرِ رِضَى الوَرَثةِ واخْتِيارِهم، ولأنَّه لو كان مالُ المُكاتَبِ يَصِيرُ للسَّيِّدِ بإعْتاقِه، لتَمَكَّنَ السَّيِّدُ من


(٦) فى ب: "وإن".
(٧) فى الأصل: "استيلاد".
(٨) سقط من: الأصل.

<<  <  ج: ص:  >  >>