للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٣ - مسألة: قال: (ولَا يُتَوَضَّأُ بِماءٍ قَدْ تُوُضِّىءَ (١) بِهِ).

يعني: الماءَ المُنْفَصِلَ عن أعضاءِ المُتَوضِّىء، والمُغْتَسِلُ في مَعْناه، وظاهرُ المذهبِ أنَّ المُسْتعمَلَ في رَفْعِ الحدثِ طاهرٌ غيرُ مُطَهِّرٍ، لا يَرْفَعُ حَدَثًا، ولا يُزِيلُ نجسًا، وبه قال اللَّيْثُ (٢) والأوْزَاعِىُّ، وهو المشهورُ عن أبي حنيفة، وإحْدَى الرِّوايتَيْن عن مالك، وظاهِرُ مذهب الشافعيِّ.

وعن أحمدَ روايةٌ أُخْرَى، أنه طاهِرٌ مُطَهِّرٌ. وبه قال الحسنُ، وعَطاء (٣)، والنَّخَعِيُّ، والزُّهْرِىُّ، ومَكْحُول (٤)، وأهلُ الظَّاهِر، والرِّوايةُ الثانية لمالك، والقولُ الثاني للشافعيِّ.

ورُوِىَ عن علَيٍّ، وابنِ عمر، وأبى أُمَامةَ فيمَن نَسِىَ مَسْحَ رأْسِه، إذا وجدَ بَللًا في لِحْيَتِه، أجْزَأَهُ أن يمسحَ رأسَه بذلك البَلَلِ. ووَجْهُ ذلك أنَّ النبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "الْمَاءُ لَا يُجْنِبُ (٥) "، وقال: "الْمَاءُ لَيْسَ عَلَيْهِ جَنَابَةٌ"، ورُوِىَ أنَّ النبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- اغْتَسلَ مِن الْجَنابةِ، فرأَى لُمْعَةً لم يُصِبْها الماءُ، فعصَر شَعَرَه عليها. رَواهما الإِمَامُ أحمد، في "المسند (٦) "، وابنُ ماجَه (٧)، وغيرُهما، ولأنه غُسِلَ به مَحَلٌّ طاهِر، فلم تَزَلْ به طُهُورِيَّتُه، كما لو غُسِلَ به الثوبُ، ولأنه لَاقَى مَحَلًّا طاهِرًا، فلا يخرُج عن


(١) في م: "وضى".
(٢) أبو الحارث الليث بن سعد الفهمى، شيخ الديار المصرية وعالمها، الإمام الثقة الحجة، المتوفى سنة خمس وسبعين ومائة. وفيات الأعيان ٤/ ١٢٧، ١٢٨، العبر ١/ ٢٦٦، ٢٦٧.
(٣) أبو محمد عطاء بن أبي رباح، من فقهاء التابعين بمكة، من أجلائهم، توفى سنة أربع عشرة أو خمس عشرة ومائة. طبقات الفقهاء ٦٩، العبر ١/ ١٤١، ١٤٢.
(٤) أبو عبد اللَّه مكحول بن عبد اللَّه الهذلى مولاهم الشامى الحافظ، فقيه الشام في عصره، اختلف في وفاته بين سنوات اثنتى عشرة وثلاث عشرة وأربع عشرة وست عشرة وثمانى عشرة ومائة.
طبقات الفقهاء، للشيرازي ٧٥، وفيات الأعيان ٥/ ٢٨٠ - ٢٨٣، تذكرة الحفاظ ١/ ١٠٧، ١٠٨.
(٥) أخرجه أبو داود، في باب الماء لا يجنب، من كتاب الطهارة. سنن أبي داود ١/ ١٧. والترمذي، في: باب الرخصة في فضل طهور المرأة، من أبواب الطهارة. عارضة الأحوذى ١/ ٨٢. وابن ماجه، في: باب الرخصة بفضل طهور المرأة، من كتاب الطهارة. سنن ابن ماجه ١/ ١٣٢.
(٦) الأول في ٦/ ٣٣٠، وانظر للثاني: الفتح الرباني ٢/ ١٣٨.
(٧) روى الثاني، في: باب من اغتسل من الجنابة فبقى في جسده لمعة لم يصبها الماء كيف يصنع، من كتاب الطهارة. سنن ابن ماجه ١/ ٢١٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>