للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن قُلْنا: يَرُدُّه. فعليه قِيمَةُ ما أتْلَفَ. قال أحْمَدُ: في رَجُلٍ اشْتَرَى أَمَةً معها قِنَاعٌ، فاشْتَرَطَهُ، وظَهَرَ على عَيْبٍ، وقد تَلِفَ القِنَاعُ: غَرِمَ قِيمَتَهُ بِحِصَّتِه من الثَّمَنِ.

فصل: وما كان على العَبْدِ أو الجَارِيَةِ من الحَلْىِ، فهو بمَنْزِلَةِ مَالِه، على ما ذَكَرْنا. فأمَّا الثِّيَابُ فقال أحمدُ: ما كان يَلْبَسُه عند البائِعِ، فهو للمُشْتَرِى، وإن كانت ثِيابًا يَلْبَسُها فوقَ ثِيَابِه، أو شَيْئًا يُزَيِّنُه به، فهو للبائِعِ، إلَّا أن يَشْتَرِطَه المُبْتَاعُ. يعنى أنَّ الثِّيَابَ التى يَلْبَسُها عَادَةً لِلْخِدْمَةِ والبِذْلَةِ، تَدْخُلُ في البَيْعِ، دون الثِّيَابِ التى يَتَجَمَّلُ بها؛ لأنَّ ثِيَابَ البِذْلَةِ جَرَتِ العادَةُ ببَيْعِها معه، ولأنَّها تَتَعَلَّقُ بها مَصْلَحَتُه وحَاجَتُه، إذْ لا غَنَاءَ له عنها، فجَرَتْ مجْرَى مَفَاتِيح الدَّارِ، بخِلَافِ ثِيَابِ الجَمَالِ، فإنَّها زِيَادَةٌ على العَادَةِ، ولا تَتَعَلَّقُ بها حَاجَةُ العَبْدِ، وإنما يُلْبِسُها إيَّاهُ ليُنْفِقَهُ بها، وهذه حاجَةُ السَّيِّد، لا حَاجَةُ العَبْدِ، ولم تَجْرِ العَادَةُ بالمُسَامَحَةِ فيها، فجَرَتْ مَجْرَى السُّتُورِ في الدَّارِ والدَّابَّة التى يُرْكِبُهُ عليها، مع دُخُولِها في الخَبَرِ، وبَقَائِها على الأصْلِ. وقال ابنُ عُمرَ: مَن بَاعَ وَلِيدَة، زَيَّنَهَا بثِيَابٍ، فلِلَّذِي اشْتَرَاها ما عليها، إلَّا أن يَشْتَرِطَه الذى بَاعَها. وبه قال الحَسَنُ، والنَّخَعِيُّ. ولَنا، الخبرُ الذى رَوَاهُ ابن عمرَ. ولأنَّ الثِّيَابَ لم يَتَنَاوَلْها لَفْظُ البَيْعِ، ولا جَرَتِ العادَةُ بِبَيْعِها معه، أشْبهَ سائِرَ مالِ البائعِ. ولأنَّه زِينَةٌ لِلْمَبِيعِ، فأشْبَهَ ما لو زَيَّنَ الدّارَ بِبِسَاطٍ أو سِتْرٍ.

فصل: ولا يَمْلِكُ العَبْدُ شَيْئًا، إذا لم يُمَلِّكْه سَيِّدُه. في قول عَامَّةِ أهْلِ العِلْمِ. وقال أهْلُ الظَّاهِرِ: يَمْلِكُ؛ لِدُخُولِه في عُمُومِ قولِه تعالى: {خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا} (٤). وقَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "من بَاعَ عَبْدًا وله مالٌ". فأضَافَ المالَ إليه بِلَامِ التَّمْلِيكِ. ولَنا، قولُه تعالى: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ} (٥). ولأنَّ سَيِّدَه يَمْلِكُ عَيْنَه ومَنافِعَه، فما حَصَلَ بذلك يَجِبُ أن يكونَ


(٤) سورة البقرة ٢٩.
(٥) سورة النحل ٧٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>