للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

منها، كالمُسَافِرِ يُدْرِكُ المُقِيمَ، ولأنَّه أدْرَكَ جُزْءًا من الصلاةِ، فكان مُدْرِكًا لها، كالظُّهْرِ. ولَنا، قولُه عليه السَّلَامُ: "مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الجُمُعَةِ فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ". فمَفْهُومُه أنَّه إذا أَدْرَكَ أقَلَّ مِن ذلك لم يَكُنْ مُدْرِكًا لها. ولأنَّه قولُ من سَمَّيْنا من الصَّحابَةِ والتَّابِعِينَ، ولا مُخَالِفَ لهم في عَصْرهم، فيكونُ إجْماعًا، وقد رَوَى بِشْرُ بن مُعَاذٍ الزَّيّاتُ، عن الزُّهْرِيِّ، عن أبي سَلَمَةَ (٣)، عن النَّبِىِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، أنَّه قال: "مَنْ أَدْرَكَ يَوْمَ الجُمُعةِ رَكْعَةً فَلْيُضِفْ إلَيْهَا أُخْرَى، ومَنْ أَدْرَكَ دُونَها صَلَّاهَا أَرْبَعًا" (٤). ولأنَّه لم يُدْرِكْ رَكْعَةً، فلم تَصِحَّ له الجُمُعةُ، كالإِمامِ إذا انْفَضُّوا قبلَ أن يَسْجُدَ. وأمَّا المُسَافِرُ فإدْرَاكُه إدْرَاكُ إلْزَامٍ، وهذا إدْراكُه (٥) إسْقَاطٌ لِلْعَدَدِ (٦)، فَافْتَرَقَا، وكذلك يُتِمُّ المُسَافِرُ خَلْفَ المُقِيمِ، ولا يَقْصُرُ المُقِيمُ خَلْفَ المُسَافِرِ، وأمَّا الظُّهْرُ فليْس مِن شَرْطِهَا الجَمَاعَةُ، بخِلافِ مَسْأَلَتِنا.

فصل: وأمَّا قَوْلُه "بِسَجْدَتَيْها" فَيَحْتَمِلُ أنَّه للتَّأْكِيدِ، كقولِ اللَّه تعالى: {وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ} (٧). ويَحْتَمِلُ أنَّه للاحْترَازِ مِن الذي أدْرَكَ الرُّكُوعَ، ثم فَاتَتْهُ السَّجْدَتَانِ، أو إحْدَاهما، حتى سَلَّم الإِمامُ، لِزحامٍ، أو نِسْيانٍ، أو نَوْمٍ، أو غَفْلَةٍ، وقد اخْتَلَفَتِ الرِّوَايَةُ عن أحمدَ في مَن أحْرَمَ مع الإِمامِ، ثم زُحِمَ فلم يَقْدِرْ على الرُّكُوعِ والسُّجُودِ حتى سَلَّمَ الإِمامُ، فرَوَى الأثْرَمُ، والمَيْمُونِىُّ، وغيرُهما، أنَّه يكونُ مُدْرِكًا لِلْجُمُعَةِ، يُصَلِّى رَكْعَتَيْنِ. اخْتارَها الخَلَّالُ. وهذا قولُ الحسنِ، والأوْزَاعِىِّ، وأصْحَابِ الرَّأْى؛ لأنَّه قد (٨) أَحْرَمَ بالصلاةِ مع الإِمامِ في أوَّلِ رَكْعَةٍ،


(٣) بعده عند الدارقطني: "عن أبي هريرة".
(٤) أخرجه الدارقطني، في: باب في من يدرك من الجمعة ركعة أو لم يدركها، من كتاب الجمعة. سنن الدارقطني ٢/ ١٠، ١١.
(٥) في أ، م: "إدراك".
(٦) في الأصل: "للعذر".
(٧) سورة الأنعام ٣٨.
(٨) سقط من: ا، م.

<<  <  ج: ص:  >  >>