للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في البَيْعِ، والأجْرِ في الإِجَارَةِ. والثانى، تجوزُ إجَارَتُه. وهو مذهبُ الشافِعىِّ؛ لأنَّه انْتِفاعٌ مُبَاحٌ، تجوزُ الإِعارَةُ من أجْلِه، فجازَتْ فيه الإِجارَةُ، كسائِر الكُتُبِ، فأمَّا سائِرُ الكُتُبِ الجائِزِ بَيْعُها، فتجوزُ إجَارَتُها. ومُقْتَضَى مذهبِ أبى حنيفةَ أنَّها لا تجوزُ إجَارَتُها؛ لأنَّه عَلَّلَ مَنْعَ إجارَةِ المُصْحَفِ بأنَّه ليس في ذلك أكْثَرُ من النَّظَرِ إليه، ولا تجوزُ الإِجَارَةُ لمثلِ ذلك، بِدَلِيلِ أنَّه لا يجوزُ أن يَسْتَأْجِرَ سَقْفًا لِيَنْظُرَ إلى عَمَلِه وتَصَاوِيرِه، أو شَمْعًا لِيَتَجَمَّلَ به. ولَنا، أنَّه انْتِفاعٌ مُبَاحٌ يَحْتاجُ إليه، وتجوزُ الإِعارَةُ له، فجازَتْ إجَارَتُه، كسائِر المنَافِعِ. وفارَقَ النَّظَرَ إلى السَّقْفِ؛ فإنَّه لا حاجَةَ إليه، ولا جَرَتِ العادَةُ بالإِعَارَةِ من أجْلِه. وفي مَسْألَتِنا يَحْتاجُ إلى القِرَاءةِ في الكُتُبِ، والتَّحَفُّظِ منها، والنَّسْخِ والسَّمَاعِ منها والرِّوَايةِ، وغيرِ ذلك من الانْتفاعِ المَقْصُودِ المُحْتَاجِ إليه.

فصل: ولا تجوزُ إجارَةُ المُسْلِمِ لِلذِّمِّىِّ لخِدْمَتِه. نَصَّ عليه أحمدُ، في رِوَايةِ الأثْرَمِ، فقال: إن أجَرَ نَفْسَه من الذِّمِّىِّ في خِدْمَتِه، لم يَجُزْ، وإن كان في عَمَلِ شَىءٍ، جازَ. وهذا أحدُ قَوْلَىِ الشافِعِىِّ، وقال في الآخَرِ: تجوزُ؛ لأنَّه تجوزُ له إجَارَةُ نَفْسِه في غيرِ الخِدْمةِ، فجازَ فيها، كإجَارَتِه من المُسْلِمِ. ولَنا، أنَّه عَقْدٌ يَتَضَمَّنُ حَبْسَ المُسْلِمِ عندَ الكافِرِ، وإذْلَالَه له، واسْتِخْدَامَه، أشْبَه البَيْعَ، يُحَقِّقُه أنَّ عَقْدَ الإِجَارَةِ لِلْخِدْمةِ يَتَعَيَّنُ فيه حَبْسُه مُدَّةَ الإِجَارَةِ واسْتِخْدامُه، والبَيْعُ لا يَتَعَيَّنُ فيه ذلك، فإذا مُنِعَ منه، فَلَأن يُمْنَعَ من الإِجَارَةِ أَوْلَى. فأمَّا إن أجَرَ نَفْسَه منه في عَمَلٍ مُعَيَّنِ في الذِّمّةِ، كخِيَاطةِ ثَوْبٍ، وقِصَارَتِه، جازَ بغيرِ خِلَافٍ نَعْلَمُه؛ لأنَّ عَلِيًّا رَضِىَ اللَّه عنه، أجَرَ نَفْسَه من يَهُودِىٍّ، يَسْتَقِى (٤٨) له كلَّ دَلْوٍ بِتَمْرَةٍ، وأخْبَرَ النبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- بذلك، فلم يُنْكِرْه (٥٠). وكذلك الأنْصَارِىُّ (٤٩). ولأنَّه عَقْدُ مُعَاوَضةٍ لا يَتَضَمَّنُ إذْلَالَ المُسلِمِ، ولا اسْتِخْدَامَه، أشْبَهَ مُبَايَعَتَه. وإن أجَرَ نَفْسَه منه لِعَمَلٍ غيرِ الخِدْمَةِ، مُدَّةً


(٤٨) في ب، م: "يسقى".
(٤٩) الأول تقدم تخريجه في: ٦/ ٢٠٨. والثانى في صفحة ٢١.

<<  <  ج: ص:  >  >>