للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واحِدٍ منهما أنَّها مِن صاحِبِه، فإنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنهما أنْ يُصَلِّىَ، وليس له أنْ يَأْتَمَّ بصاحِبِهِ. وقِيَاسُ المَذْهَبِ جَوَازُ ذلك. وهو مَذْهَبُ أبِى ثَوْرٍ؛ لأنَّ كُلَّ واحِدٍ منهما يَعْتَقِدُ صِحَّةَ صلاةِ الآخَرِ. فإنَّ (١) فَرْضَهُ التَّوَجُّهُ إلى ما تَوَجَّهَ إليه، فلم يَمْنَع اقْتِدَاءَه به اخْتِلَافُ جِهَتِهِ، كالمُصَلِّينَ حولَ الكَعْبَةِ مُسْتَدِيرِينَ حَوْلها، وكَالمُصَلِّينَ حالَ شدَّةِ الخَوْفِ، وقد نَصَّ أحمدُ على صِحَّةِ الصلاةِ خلْفَ المُصَلِّى في جُلُودِ الثعالِبِ، إذا كان يتأوَّل قَوْلَه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أيُّمَا إهَابٍ دُبِغَ فَقَدْ طَهُرَ" (٢). مع كَوْنِ أحمدَ لا يَرَى طهارَتها، وفَارَقَ ما إذا اعْتَقَدَ كُلُّ واحدٍ منهما حَدَثَ صاحِبِه؛ لأنَّه يَعْتَقِدُ بُطْلَانَ طَهارتِه (٣)، بِحَيْثُ لو بَانَ له يَقِينًا حَدَثُ نَفْسِهِ، لَزِمَتْهُ إعادُة الصلاةِ؛ وههُنا صلاتُهُ صَحِيحَة ظاهِرًا وباطِنًا، بحَيْثُ لو بَانَ له يَقِينُ الخطإِ، لم يَلْزَمْهُ الإِعَادَةُ، فافْتَرَقا. فأما إنْ كانَ أحدُهُما يَمِيلُ يَمِينًا، ويمِيلُ الآخَرُ شِمالًا، مع اتِّفَاقِهِما في الجِهَةِ، فلا يَخْتَلِفُ المَذْهَبُ في أنَّ لأحدِهما الائْتِمَامُ بصاحبِه؛ لأنَّ الواجِبَ اسْتِقْبَالُ الجِهَةِ، وقد اتَّفَقَا فيها.

١٣٦ - مسألة؛ قال: (وَيَتْبَعُ الأَعْمَى أَوْثَقَهُمَا فِي نَفْسِهِ)

يَعْنى إذا اخْتَلَفَ مُجْتَهِدَانِ في القِبْلَةِ، ومعهما أعْمَى، قَلَّدَ أوثَقَهُما في نفسِه، وهو أعْلَمُهُما عندَه وأصْدَقُهُما قولًا، وأشَدُّهُما تَحَرِّيًا؛ لأنَّ الصوابَ إليه أقْرَبُ، وكذلكَ الحُكْمُ في البَصِيرِ الذي لا يَعْلَمُ الأَدِلَّةَ، ولا يَقْدِرُ على تَعَلُّمِها قبلَ خروجِ الوقتِ، فَرْضُه أيضًا التَّقْلِيدُ، ويُقَلِّدُ أوْثَقَهما في نَفْسِه، فإنْ قَلَّدَ المَفْضُولَ، فَظَاهِرُ قَوْلِ الْخِرَقِىِّ أنَّه لا تَصِحُّ صلاتُه؛ لأنَّه تَرَكَ مَا يَغْلِبُ على ظَنِّه أَنَّ الصَّوَابَ فيه، فلم يَسُغْ له ذلك، كَالمُجْتَهِدِ إذا تَرَكَ جِهَةَ اجْتِهَادِه، والأوْلَى صِحَّتُها، وهو مَذْهَبُ الشَّافعىِّ؛ لأنَّه أخَذَ بدَلِيلٍ له الأَخْذُ به لو انْفَرَدَ. فكذلك إذا كان معه غيرُه، كما لو اسْتَوَيَا، ولا عِبْرَةَ بِظَنِّه، فإنَّه لو غَلَبَ على ظَنِّهِ أَنَّ


(١) في الأصل: "وإن".
(٢) تقدم الحديث في ١/ ٨٩.
(٣) في م: "صلاته".

<<  <  ج: ص:  >  >>