للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والشَّرِكَةِ والمُضَارَبةِ، والذي كان مِن النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- إِخْبَارٌ بِصِفَةِ العارِيَّةِ وحُكْمِهَا. وفارَقَ ما إذا أَذِنَ في الإِتْلَافِ، فإنَّ الإِتْلَافَ فِعْلٌ يَصِحُّ الإِذْنُ فيه، ويَسْقُطُ حُكْمُه، إذْ لا يَنْعَقِدُ مُوجِبًا لِلضَّمَانِ مع الإِذْنِ فيه، وإسْقاطُ الضَّمانِ ههُنا نَفْىٌ لِلْحُكْمِ مع وُجُودِ سَبَبِه، وليس ذلك لِلْمالِكِ، ولا يَمْلِكُ الإِذْنَ فيه.

فصل: وإذا انْتَفَعَ بها، ورَدَّهَا على صِفَتِهَا، فلا شىءَ عليه؛ لأنَّ المَنَافِعَ مَأْذُونٌ في إِتْلَافِهَا، فلا يَجِبُ عِوَضُها. وإن تَلِفَ شيءٌ من أَجْزَائِها التي لا تَذْهَبُ بالاسْتِعْمالِ، فعليه ضَمَانُها؛ لأنَّ ما ضُمِنَ جُمْلَتُه ضُمِنَتْ أَجْزَاؤُه، كالمَغْصُوبِ. وأمَّا أَجْزَاؤُها التي تَذْهَبُ بالاسْتِعْمالِ، كخَمْلِ (١٨) المِنْشَفَةِ والقَطِيفَةِ، وخُفِّ الثَّوْبِ يَلْبَسُهُ، ففيه وَجْهَانِ؛ أحدُهما، يَجِبُ ضَمَانُه؛ لأنَّها أَجْزَاءُ عَيْنٍ مَضْمُونَةٌ، فكانت مَضْمُونَةً، كما لو كانت مَغْصُوبَةً، ولأنَّها أَجْزَاءٌ يَجِبُ ضَمَانُها لو تَلِفَتِ العَيْنُ قبلَ اسْتِعْمالِها، فَتُضْمَنُ إذا تَلِفَتْ وَحْدَها، كسائِر الأَجْزَاءِ. والثانى، لا يَضْمَنُها. وهو قولُ الشّافِعِىِّ؛ لأنَّ الإِذْنَ في الاسْتِعْمالِ تَضَمَّنَهُ، فلا يَجِبُ ضَمَانُه، كالمَنَافِعِ، وكما لو أَذِنَ في إِتْلَافِهَا صَرِيحًا. وفارَقَ ما إذا تَلِفَتِ العَيْنُ قبلَ اسْتِعْمَالِها؛ لأنَّه لا يُمْكِنُ تَمْيِيزُها من العَيْنِ، ولأنَّه إنَّما أَذِنَ في إِتْلَافِها على وَجْهِ الانْتِفَاعِ، فإذا تَلِفَتْ (١٩) قبلَ ذلك فقد تَلِفَتْ (٢٠) على غيرِ الوَجْهِ الذي أذِنَ فيه، فضَمِنَها، كما لو أجَرَ العَيْنَ المُسْتَعارَةَ، فإنَّه يَضْمَنُ مَنَافِعَها. فإذا قُلْنا: لا يَضْمَنُ الأَجْزَاءَ. فتَلِفَتِ العَيْنُ بعد ذَهَابِهَا بالاسْتِعْمالِ، فإنَّها تُقَوَّمُ حالَ التَّلَفِ؛ لأنَّ الأَجْزَاءَ التالِفَةَ تَلِفَتْ غيرَ مَضْمُونَةٍ، لكَوْنِها مَأْذُونًا في إتْلَافِها، فلا يجوزُ تَقْوِيمُها عليه. وإن قُلْنا: يَجِبُ ضَمَانُ الأَجْزَاءِ. قُوِّمَتِ العَيْنُ قبلَ تَلَفِ أجْزَائِها. وإن تَلِفَتِ العَيْنُ قبلَ ذَهَابِ أجْزَائِها. ضَمِنَها كلَّها بأَجْزَائِها. وكذلك لو تَلِفَتِ الأَجْزَاءُ باسْتِعْمالٍ غيرِ مَأْذُونٍ فيه، مثل أن يُعِيرَه ثَوْبًا


(١٨) خمل المنشفة: هدبها.
(١٩) في م زيادة: "العين".
(٢٠) في الأصل، أ، م: "فاتت".

<<  <  ج: ص:  >  >>