للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ظَلَمَه. وبهذا قال الشافِعِىُّ. وقال أبو حنيفةَ: إن حَكَمَ الحاكِمُ عليه بأَلْفَيْنِ، أخَذَه الشَّفِيعُ بهما؛ لأنَّ الحاكِمَ إذا حَكَمَ عليه بالبَيِّنةِ بَطَلَ قولُه، وثَبَتَ ما حَكَمَ به الحاكِمُ. ولَنا، أنَّ المُشْتَرِىَ مُقِرٌّ بأنَّ هذه البَيِّنةَ كاذِبَةٌ، وأنَّه ظَلَمَهُ بأَلْفٍ، فلم يُحْكَمْ له به، وإنَّما حُكِمَ بها للبائِعِ؛ لأنَّه لا يُكَذِّبُها. فإن قال المُشْتَرِى: صَدَقَتِ البَيِّنةُ، وكنتُ أنا كاذِبًا أو نَاسِيًا. ففيه وَجْهانِ؛ أحدُهما، لا يُقْبَلُ رُجُوعُه؛ لأنَّه رُجُوعٌ عن إقْرارٍ تعلَّق (٢٨) به حَقُّ آدَمِىٍّ غيرِه، فأَشْبَهَ ما لو أقَرَّ له بِدَيْنٍ. والثاني، يُقْبَلُ قولُه. وقال القاضي: هو قِيَاسُ المَذْهَبِ عندى، كما لو أخْبَرَ في المُرَابَحةِ بِثَمَنٍ، ثم قال: غَلِطْتُ. والثمنُ أكْثَرُ، قُبِلَ قَوْلُه مع يَمِينِه، بل ههُنا أَوْلَى؛ لأنَّه قد (٢٩) قامَتِ البَيِّنةُ بِكَذِبه (٣٠)، وحَكَمَ الحاكِمُ بخِلَافِ قَوْلِه، فقُبِلَ رُجُوعُه عن الكَذِبِ. وإن لم تكُنْ للبائِعِ بَيِّنةٌ، فتَحَالَفَا، فلِلشَّفِيعِ أخْذُه بما حَلَفَ عليه البائِعُ، وإن أرَادَ أخْذَه بما حَلَفَ عليه المُشْتَرِى، لم يكُنْ له ذلك؛ لأنَّ للبائِعِ فَسْخَ البَيْعِ، وأخْذه بما قال المُشْتَرِى يَمْنَعُ ذلك، ولأنَّه يُفْضِى إلى إلْزَامِ العَقْدِ بما حَلَفَ (٣٠) عليه المُشْتَرِى، ولا يَمْلِكُ ذلك. فإن رَضِىَ المُشْتَرِى بأخْذِه بما قال البائِعُ، جازَ، ومَلَكَ الشَّفِيعُ أخْذَه بالثَّمنِ الذي حَلَفَ عليه المُشْتَرِى؛ لأنَّ حَقَّ البائِعِ من الفَسْخِ قد زالَ. فإن عادَ المُشْتَرِى فصَدَّقَ البائِعَ، وقال: الثّمنُ أَلْفانِ، وكنت غَالِطًا (٣١). فهل لِلشَّفِيعِ أخْذُه بالثّمنِ الذي حَلَفَ عليه؟ فيه وَجْهانِ، كما لو قامَتْ به بَيِّنةٌ.

فصل: ولو اشْتَرَى شِقْصًا له شَفِيعَانِ، فادَّعَى على أحدِ الشَّفِيعَيْنِ أنَّه عَفَا عن الشُّفْعةِ، وشَهِدَ له بذلك الشَّفِيعُ الآخَر، قَبْلَ عَفْوِه عن شُفْعَتِه (٣٢)، لم تُقْبَلْ شَهَادَتُه؛


(٢٨) في م: "تعين".
(٢٩) في الأصل: "ما".
(٣٠) سقط من: الأصل.
(٣١) في الأصل: "عالما".
(٣٢) في الأصل: "شفيعه".

<<  <  ج: ص:  >  >>