للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلم يُجْزِئْه عن غيرِه، كيَوْمَى العِيدَيْنِ، ولا يُجْزِئ عن رمضانَ؛ لأنَّ النَّبِىَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إِنَّما الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإنَّمَا لِامْرِئٍ مَا نَوَى" (١٥). وهذا ما نَوَى رمضانَ، فلا يُجْزِئُه، ولا فرق بين الحَضَرِ والسَّفَر؛ لأنَّ الزَّمانَ مُتَعَيِّن، وإنَّما جازَ فِطرُه فى السَّفَر رُخْصَةً، فإذا تَكَلَّفَ وصامَ، رَجَعَ إلى الأصلِ. فإنْ سافرَ فى رمضانَ المُتَخَلِّلِ لصَوْمِ الكَفَّارَةِ وأفطرَ، لم يَنْقَطِعِ التَّتابُعُ؛ لأنَّه زمنٌ لا يَسْتحِقُّ صَوْمَه عن الكَفَّارَةِ، فلم يَنْقَطِعِ التَّتابُعُ بفِطْرِه كاللَّيْلِ.

١٣٢٣ - مسألة؛ قال: (وَإِذَا كَانَ المُظَاهِرُ عَبْدًا، لَمْ يُكَفِّرْ إِلَّا بِالصِّيَامِ، وَإِذَا صَامَ، فَلَا يُجْزِئُهُ إِلَّا شَهْرَانِ مُتَتَابِعَانِ)

قد ذَكَرْنا أَنَّ ظِهارَ العَبْدِ صحيحٌ وكفًّارتَه بالصِّيامِ؛ لأنَّ اللَّه تعالى قال: {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ} (١). والعبدُ لا يَسْتطيعُ الإِعْتاقَ، فهو كالحُرِّ المُعسِرِ، وأسْوأُ منه حالًا، وظاهِرُ كلامِ الخِرَقِىِّ أنَّه لا يُجْزِئه غيرُ الصِّيامِ، سواءٌ أذِنَ له سَيِّدُه فى التَّكْفِير (٢) بالعِتْقِ، أو لم يَأْذَنْ (٣). وحُكِىَ هذا عن الحسنِ، وأبى حنيفةَ، والشَّافعىِّ. وعن أحمدَ، روايةٌ أُخْرَى، إنْ أذِنَ له سَيِّدُه فى التَّكفيرِ (٢) بالمالِ، جازَ. وهو مذهبُ الأوْزَاعِىِّ، وأبى ثَوْرٍ؛ لأنَّه بإذْنِ سَيِّدِه يَصِيرُ قادرًا على التَّكفيرِ بالمالِ، فجازَ له ذلك، كالحُرِّ. وعلى هذه الرِّوايةِ، يجوزُ له التَّكْفيرُ بالإِطعامِ عندَ العَجْزِ عن الصِّيامِ. وهل له العِتْقُ؟ على رِوَايتيْنِ؛ إحْداهما، [لا يجُوزُ] (٤). وحُكِىَ هذا عن مالكٍ، وقال: أرجو أَنْ يُجْزِئَهُ الإِطْعامُ. وأنْكَرَ ذلك ابنُ القاسِمِ صاحبُه، وقال: لا يُجْزِئُه إِلَّا الصِّيامُ؛ وذلك لأنَّ العِتْقَ يَقْتَضِى الوَلاءَ، والوِلايةَ، والإِرْثَ، وليس ذلك للعَبْدِ. والرِّوايةُ الثّانيةُ، له العِتْقُ. وهو قولُ الأَوْزَاعِىِّ. واختارَها أبو بكرٍ؛ لأنَّ مَن صَحَّ تَكْفِيرُه بالإِطْعامِ، صَحَّ


(١٥) تقدم تخريجه فى: ١/ ١٥٦.
(١) سورة المجادلة ٤.
(٢) فى ب: "بالتكفير".
(٣) فى الأصل زيادة: "له".
(٤) سقط من: م.

<<  <  ج: ص:  >  >>