للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فأمَّا عِظامُ بَقِيَّةِ المَيْتاتِ، فذهب الثَّوْرِيُّ، وأبو حنيفة، إلى طَهارتِها؛ لأن الموتَ لا يُحِلُّها فلا تَنْجُسُ به، كالشَّعَرِ، ولأن عِلَّةَ التَّنْجِيسِ في اللحمِ والجلدِ اتِّصالُ الدِّماءِ والرُّطوباتِ به، ولا يُوجَدُ ذلك في العظامِ.

ولنا قولُ اللَّه تعالى: {قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (٧٨) قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ} (١٠) ومَا يَحْيَا فهو يموتُ؛ ولأن دليلَ الحياةِ الإِحْساسُ والألَمُ، والألمُ في العَظْمِ أشَدُّ من الألمِ في اللحم والجلدِ، والضِّرْسُ يأْلَمُ، ويَلْحَقُه الضَّرَسُ، ويُحِسُّ بِبَرْدِ الماءِ وحَرارتِه، ومَا تحلُّه الحَياةُ يحلُّهُ الموتُ؛ إذ كان الموتُ مُفارقةَ الحياة، وما يحلُّهُ الموتُ يَنْجُسُ به كاللحمِ. قال الحسنُ لبعض أصحابه، لمَّا سقط ضِرْسُه: أُشْعِرْتُ أن بَعْضِى ماتَ اليوم! وَقولُهم: إن سببَ التَّنْجِيسِ اتِّصالُ الدماءِ والرُّطوباتُ. قد أجَبْنا عنه فيما مَضَى.

فصل: والقَرْنُ والظُّفُر والحافِر كالعَظْمِ، إن أُخِذَ مِن مُذَكًّى فهو طاهِر؛ وإن أُخِذ مِن حَىٍّ فهو نَجِسٌ؛ لقولِ النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَا يُقْطَعُ مِنَ الْبَهِيمَةِ وَهِىَ حَيَّةٌ فَهُوَ مَيْتَةٌ". روَاه التِّرْمِذِيُّ، (١١) وقال: حديثٌ حسَن غريب. وكذلك ما يتساقَطُ مِن


= صحيح مسلم ٣/ ١٥٣٣. وأبو داود، في: باب النهى عن أكل السباع، من كتاب الأطعمة. سنن أبى داود ٢/ ٣١٩، ٣٢٠. والترمذي، في: باب ما جاء في كراهية أكل المصبورة، من أبواب الصيد، وفى: باب ما جاء في الانتفاع بآنية المشركين، من أبواب السير، وفى: باب ما جاء في الأكل في آنية الكفار، من أبواب الأطعمة. عارضة الأحوذى ٦/ ٢٦٦، ٧/ ٥٠، ٢٩٨. والنسائي، في: باب تحريم أكل السباع، من كتاب الصيد، وفى: باب تحريم أكل لحوم الحمر الأهلية، من كتاب الصيد، وفى: باب إباحة أكل لحوم الدجاج، من كتاب الصيد، المجتبى ٧/ ١٧٧، ١٨١، ١٨٢. وابن ماجه، في: باب أكل كل ذى ناب من السباع. سنن ابن ماجه ٢/ ١٠٧٧. والدارمى، في: باب ما لا يؤكل من السباع، من كتاب الأطعمة ٢/ ٨٥. والإمام أحمد، في: المسند ١/ ١٤٧، ٤/ ١٩٣، ١٩٤.
(١٠) سورة يس ٧٨، ٧٩، ولم يرد في الأصل، أ: "وهو بكل خلق عليم".
(١١) في: باب ما قطع من الحى فهو ميت، من أبواب الصيد. عارضة الأحوذى ٦/ ٢٧٣. وكذلك رواه أبو داود، في: باب في صيد قطع منه قطعة، من كتاب الصيد. سنن أبي داود ٢/ ١٠٠. وابن ماجه، في: باب ما قطع من البهيمة وهى حية، من كتاب الصيد. سنن ابن ماجه ٢/ ١٠٧٢، والدارمى، في: باب في الصيد يبين منه العضو، من كتاب الصيد. سنن الدارمي ٢/ ٩٣. والإِمام أحمد، في: المسند ٥/ ٢١٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>