للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المَقْصُودَ الذي خُلِقَتْ له الأثْمانُ، ولهذا لا تُضْمَنُ في الغَصْبِ، فلم يَجُز الوَقْفُ له، كوَقْفِ الشَّجَرِ على نَشْرِ الثِّيابِ، والغَنَمِ على دَوْسِ الطِّينِ، والشَّمْعِ لِيُتَجَمَّلَ به.

فصل: والمُرادُ بالذَّهَبِ والفِضَّةِ ههُنا الدَّرَاهِمُ والدَّنَانِيرُ، وما ليس بِحَلْىٍ؛ لأنَّ ذلك هو الذي يَتْلَفُ بالانْتِفَاعِ به. أمَّا الحَلْىُ، فيَصِحُّ وَقْفُه لِلُّبْسِ والعارِيَّةِ؛ لما رَوَى (١) نافِعٌ، قال: ابْتاعَتْ حَفْصَةُ حَلْيًا بِعِشْرِينَ ألْفًا، فحَبَّسَتْهُ على نِسَاءِ آلِ الخَطَّابِ، فكانت لا تُخْرِجُ زَكَاتَه. رَوَاه الخَلَّالُ بإسْنادِه. ولأنَّه عَيْنٌ يُمْكِنُ الانْتِفاعُ بها، مع بَقَائِها دَائمًا، فصَحَّ وَقْفُها، كالعَقَارِ، ولأنَّه يَصِحُّ تَحْبِيسُ أصْلِها وتَسْبِيلُ الثَّمرَةِ، فصَحَّ وَقْفُها، كالعَقَارِ. وبهذا قال الشافِعِيُّ. وقد رُوِى عن أحمدَ، أنَّه لا يَصِحُّ وَقْفُها. وأنْكَرَ الحَدِيثَ عن حَفْصَةَ في وَقْفِه. وذَكَرَه ابنُ أبي موسى، إلَّا أن القاضِىَ تَأَوَّلَه على أنَّه لا يَصِحُّ الحَدِيثُ فيه. ووَجْهُ هذه الرِّوَايةِ أنَّ التَّحَلِّىَ ليس هو المَقْصُودَ الأصْلِيَّ من الأثْمانِ، فلم يَصِحَّ وَقْفُها عليه، كما لو وَقَفَ الدَّنَانِيرَ والدَّرَاهِمَ. والأولُ هو المذهبُ؛ لما ذَكَرْناه، والتَّحَلِّى من المَقاصِدِ المُهِمَّةِ، والعادَةُ جارِيَةٌ به، وقد اعْتَبَرَهُ الشَّرْعُ في إسْقَاطِ الزَّكاةِ عن مُتَّخذِه، وجَوَّزَ إجَارَتَه لذلك. ويُفَارِقُ الدَّرَاهِمَ والدَّنَانِيرَ، فإن العادَةَ لم تَجْرِ بالتَّحَلِّى به، ولا اعْتَبَره الشَّرْعُ في إسْقاطِ زَكَاتِه، ولا ضَمَانِ مَنْفَعَتِه (٢) في الغَصْبِ، بخِلَافِ مَسْأَلَتِنا.

فصل: ولا يَصِحُّ وَقْفُ الشَّمْعِ؛ لأنَّه يَتْلَفُ بالانْتِفَاعِ به، فهو كالمَأْكُولِ والمَشْرُوبِ، ولا ما يُسْرِعُ إليه الفَسَادُ، من المَشْمُومَاتِ والرَّيَاحِينِ وأشْبَاهِها؛ لأنَّها تَتْلَفُ على قُرْبٍ من الزَّمَانِ، فأشْبَهَتِ المَطْعُومَ، ولا وَقْفُ ما لا يجوزُ بَيْعُه، كأُمِّ الوَلَدِ، والمَرْهُونِ، والكَلْبِ، والخِنْزِيرِ، وسائِر سِبَاعِ البَهَائِمِ التي لا تَصْلُحُ


(١) في الأصل زيادة: "عن".
(٢) في م: "نفعه".

<<  <  ج: ص:  >  >>