للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مع هذا. فإن عادَ فقال: عَلِمْتُ أنَّ الآخَرَ كان عامِدًا. فله أنْ يُعَيِّنَ واحدًا، ويُقْسِمَ عليه. وإنْ قال: كان مُخْطِئًا. ثَبَتَتِ القَسامَةُ حينئذٍ، ويُسْأَلُ، فإن أنْكَرَ، ثَبَتَتِ القَسامةُ، وإن أقرَّ ثَبَتَ عليه القتلُ، ويكونُ عليه نصفُ الدِّيَةِ في مالِه؛ لأنَّه ثَبَتَ بإِقْرارِه لا بالقَسامةِ. وقال القاضي: يكونُ على عاقِلَتِه. والأوَّلُ أصَحُّ؛ لأنَّ العاقِلَةَ لا تَحْمِلُ اعْترافًا. الحالُ الرابعُ، أن يقولَ: قَتَلاهُ خَطَأً، أو شِبْهَ (١١) عَمْدٍ، أو أحدُهما خَاطِىءٌ، والآخَرُ شِبْهُ العَمْدِ. فله أنْ يُقْسِمَ عليهما. فإن ادَّعَى أنَّه قَتَلَ وليَّه عَمْدًا، فسُئِلَ عن تفسيرِ العَمْدِ، ففسَّره بعَمْدِ الخطإِ، قُبِلَ تفسيرُه، وأقْسَمَ على ما فَسَّرَه به؛ لأنَّه أخطأَ في وَصْفِ القتلِ بالعَمْدِيَّة. ونقلَ الْمُزَنِيُّ، عن الشافِعيِّ: لا يَحْلِفُ عليه؛ لأنَّه بدَعْوَى العَمْدِ بَرَّأَ العاقِلَةَ، فلا تُسْمَعُ دعَواه بعدَ ذلك ما يُوجِبُ عليهم المالَ. ولَنا، أنَّ دَعْوَاه قد تحرَّرتْ، وإنما غَلِطَ في تَسْميةِ شِبْهِ العَمْدِ عمدًا، وهذا ممَّا يَشْتَبِهُ، فلا يُؤاخَذُ به. ولو أحْلَفَه الحاكمُ قبلَ تَحْريرِ الدَّعْوَى وتَبَيُّنِ نَوْعِ القتلِ، لم يُعْتَدَّ باليَمِينِ؛ لأنَّ (١٢) الدَّعْوَى لا تُسْمعُ غيرَ مُحَرَّرةٍ، فكأنَّه حَلَّفَه (١٣) قبلَ الدَّعْوَى، ولأنَّه إنَّما يُحلِّفُه لِيُوجِبَ له ما يسْتحِقُّه، فإذا لم يَعْلمْ ما يستحِقُّه بدَعْوَاه، لم يحْصُلِ المقْصُودُ بالْيَمِينِ، فلم يَصِحَّ.

فصل: قال القاضي: يجوزُ للأوْلياءِ أنْ يُقْسِمُوا على القاتلِ، إذا غَلَبَ على ظَنِّهم أنَّه قَتَلَه، وإن كانُوا غَائبينَ عن مَكانِ القَتْلِ؛ لأنَّ النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال للأنصارِ: "تَحْلِفُونَ، وَتَسْتَحِقُّونَ دَمَ صَاحِبِكُمْ" (١٤). وكانوا بالمدينةِ، والقتلُ بخَيْبَرَ. ولأنَّ الإنسانَ يَحْلِفُ على غالِبِ ظَنِّه، كما أنَّ مَن اشْتَرَى من إنسانٍ شيئًا، فجاءَ آخَرُ يَدَّعِيه، جازَ أن يَحْلِفَ أنَّه لا يَستحِقُّه؛ لأنَّ الظاهِرَ أنَّه مِلْكُ الذي باعَه. وكذلك إذا وَجَدَ شيئًا بخَطِّهِ أو خَطِّ أبيه ودَفْتَرِه، جازَ له أن يَحْلِفَ، وكذلك إذا باعَ شيئًا لم يعلمْ فيه عَيْبًا، فادَّعَى عليه


(١١) في الأصل: "وشبه".
(١٢) في ب: "فإن".
(١٣) في ب: "أحلفه".
(١٤) تقدم تخريجه، في صفحة ١٨٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>