للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَتَلَهم؛ مِن إِثْمٍ ولا ضَمانٍ ولا كَفَّارَةٍ؛ لأَنَّهُ فعَل ما أُمِرَ به، وقتل مَنْ أحَلَّ اللهُ قَتْلَه، وأمَرَ بمُقَاتَلَتِهِ، وكذلك ما أتْلَفَه أهلُ العدلِ على أهلِ البَغْيِ حالَ الحربِ، من المالِ، لا ضَمانَ فيه؛ لأنَّهم إذا لم يُضَمَّنُوا الأنْفُسَ، فالأَمْوَالُ أَوْلَى. وإنْ قُتِلَ العادِلُ، كان شَهِيدًا؛ لأنَّه قُتِلَ في قِتالٍ أَمَرَ اللهُ تعالى بِه بقَولِه: {فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي} (١). وهل يُغَسَّلُ ويُصَلَّى عليه؟ فيه روَايتانِ؛ إحداهُما، لا يُغَسَّلُ، ولا يُصَلّى عليه؛ لأنَّه شَهِيدُ معركةٍ أُمِرَ بالقتالِ فيها، فأشْبَهَ شَهِيدَ معركةِ الكُفَّارِ. والثانيةُ، يُغَسَّلُ، ويُصَلَّى عليه. وهو قَولُ الأوْزَاعِيِّ، وابنِ الْمُنْذِرِ؛ لأنَّ (٢) النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أمرَ بالصلاةِ على مَن قالَ: لا إلهَ إلَّا اللهُ، واسْتَثْنَى قَتِيلَ الكُفَّارِ في المَعْركةِ (٣)، ففيما عَدَاهُ يَبْقَى على الأصْلِ؛ ولأَنَّ شَهِيدَ مَعْركةِ الكفارِ أَجْرُهُ أعظمُ، وفَضْلُه أكْثرُ، وقد جاء أنَّه يُشَفَّعُ في سبعينَ من أهلِ بيتِه (٤)، وهذا لا يَلْحَقُ به في فضلِه، فلا يثْبُتُ فيه مثلُ حُكْمِه، فإنَّ الشىءَ إنَّما يُقَاسُ على مثلِه.

فصل: وليس على أهلِ البَغْيِ أيضًا ضَمانُ ما أتْلَفُوه حالَ الحربِ، من نفسٍ ولا مَالٍ. وبه قالَ أبو حنيفةَ، والشافِعِيُّ، في أَحدِ قَوْليْه. وفي الآخَرِ، يَضْمَنونَ ذلك؛ لقولِ أبي بكرٍ لأهلِ الرِّدَّةِ: تَدُونَ قَتْلَانا، ولا نَدِي قَتْلاكُمْ (٥). ولأنَّها نفوسٌ وأموالٌ مَعْصُومةٌ، أُتْلِفَتْ بِغيرِ حَقٍّ ولا ضرورةِ دَفْعِ مُباحٍ؛ فوجبَ ضَمانُه، كالذي تَلِفَ (٦) في غيرِ حالِ الحربِ. ولَنا، ما روَى الزُّهْرِيُّ، أنَّه قال: كانتِ الفتنةُ العُظْمَى بينَ النَّاسِ،


(١) سورة الحجرات ٩.
(٢) في ب، م: "ولأن".
(٣) تقدم تخريجه، في: ٣/ ٣٥٧. عند الدارقطني، ولم يرد فيه الاستثناء.
(٤) أخرجه الترمذي، في: باب في ثواب الشهيد، من أبواب فضائل الجهاد. عارضة الأحوذي ٧/ ١٦١. وسعيد، في: باب ما للشهيد من الثواب، من كتاب الجهاد. السنن ٢/ ٢١٧، ٢١٨.
(٥) أخرجه البيهقي، في: باب من قال: يتبعون بالدم، من كتاب قتال أهل البغى، وفي: باب قتال أهل الردة وما أصيب في أيديهم من متاع المسلمين، من كتاب الأشربة والحد فها. السنن الكبرى ٨/ ١٨٣، ١٨٤، ٣٣٥. وابن أبي شيبة، في: باب ما قالوا في الرجل يسلم ثم يرتد. . ., من كتاب الجهاد. المصنف ١٢/ ٢٦٤. وانظر ما تقدم من تخريجه عن أبي عبيد، في الجزء الرابع، صفحة ٩. ويحذف تخريج البخاري وفتح الباري.
(٦) في ب: "كان". وفي م: "تلفت".

<<  <  ج: ص:  >  >>