للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفيهم البَدْرِيُّون، فأَجْمعُوا على أنْ لا يُقامَ حَدٌّ على رجلٍ ارتكبَ فَرْجًا حَرامًا بِتَأْويلِ القرآنِ، ولا يَغْرَمَ مالًا أَتْلَفَه بتأْويلِ القرآنِ (٧). ولأنَّها طائفةٌ مُمْتَنِعَةٌ بالحربِ، بتأويلٍ سائغٍ، فلم تَضْمَنْ ما أَتْلَفَتْ على الأُخْرَى، كأهلِ العدلِ، ولأَنَّ تَضْمِينَهم يُفْضِي إلى تَنْفيرِهم عن الرُّجوعِ إلى الطَّاعةِ، فلا يُشْرَعُ، كتَضْمينِ أهلِ الحربِ. فأمَّا قولُ أبى بكرٍ، رَضِيَ اللَّه عنه، فقد رَجَعَ عنه، ولم يُمْضِه، فإنَّ عمرَ قال له: أمَّا أنْ يَدُوا قَتْلانا فلا؛ فإنَّ قَتْلانا قُتِلُوا في سبيلِ اللَّه تعالى، على ما (٨) أمرَ اللهُ. فوَافَقَه أبو بكرٍ، ورَجَعَ إلى قولِه، فصارَ أيضًا إجماعًا حُجَّةً لنا، ولم يُنْقَلْ أنَّه أغْرَمَ (٩) أحدًا شيئًا من ذلك. وقد قتل طُلَيْحَةُ عُكَّاشةَ بنَ مِحْصَنٍ، وثابتَ بنَ أقْرَمَ، ثم أسْلَمَ، فلم يُغَرَّمْ شيئًا (١٠). ثم لو وَجَبَ التَّغْريمُ في حقِّ المُرْتدِّين، لم يَلزَمْ مثلُه ههُنا، فإنَّ أولئِك كفارٌ لا تأويلَ لهم، وهؤلاءِ طائفةٌ مِن المسلمين لهم تأويلٌ سائغٌ، فكيف يَصِحُّ إلْحاقُهم بهم! فأمَّا ما أتْلَفَه بعضُهم على بعضٍ، في غيرِ حالِ الحربِ، قبلَه أو بعدَه، فعلى مُتْلِفهِ ضَمانُه. وبهذا قال الشافِعيُّ، ولذلك لمَّا قَتَلَ الخوارجُ عبدَ اللَّه بنَ خَبَّابٍ، أرْسلَ إليهم عَلِيٌّ: أقِيدُونا من عبدِ اللَّه بنِ خَبَّابٍ (١١). ولما قَتَلَ ابنُ (١٢) مُلْجَمٍ عليًّا في غيرِ المعركَةِ، أُقِيدَ به (١٣). وهل يَتَحَتَّمُ قَتْلُ البَاغِي إذا قتلَ أحدًا من أهلِ العدلِ في غيرِ المعركةِ؟ فيه وَجْهانِ؛ أحدُهما، يَتَحَتَّمُ؛ لأنَّه قتلَ بإشْهارِ السِّلاحِ والسَّعْيِ في الأرضِ بالفَسادِ، فيُحَتَّمُ قَتْلُه، كقاطعِ (١٤) الطريقِ. والثاني: لا يَتَحَتَّمُ. [وهو الصَّحِيحُ] (١٥)؛ لقولِ عليٍّ، رَضِيَ


(٧) أورده البيهقي، في: باب من قال: لا تباعة في الجراح والدماء. . ., من كتاب قتال أهل البغي. السنن الكبرى ٨/ ١٧٤، ١٧٥.
(٨) سقط من: ب.
(٩) في ب، م: "غرم".
(١٠) انظر: الكامل، لابن الأثير ٢/ ٣٤٧.
(١١) تقدم تخريجه، في صفحة ٢٤١.
(١٢) سقط من: م.
(١٣) تقدم تخريجه، في صفحة ٢٣٩.
(١٤) في ب: "كقطاع".
(١٥) سقط من: ب.

<<  <  ج: ص:  >  >>