للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفصل الخامس: فيمن يَتَوَلَّاهُ، ولِلْمُلْتَقِطِ أن يَتَوَلَّى ذلك بِنَفْسِه، وله أن يَسْتَنِيبَ فيه، فإن وَجَدَ مُتَبَرِّعًا بذلك، وإلَّا إن احْتاجَ إلى أجْرٍ، فهو على المُلْتَقِطِ. وبهذا قال الشافِعِىُّ وأصْحابُ الرأى. واخْتارَ أبو الخَطَّابِ، أنَّه إن قَصَدَ الحِفْظَ لِصَاحِبِها دُونَ تَمَلُّكِها، رَجَعَ بالأجْرِ على مالِكِها. وكذلك قال ابنُ عَقِيلٍ، فيما لا يُمْلَكُ بالتَّعرِيفِ؛ لأنَّه من مُؤْنَةِ إِيصَالِها إلى صاحِبِها، فكان على مالِكِها، كأجْرِ مَخْزَنِها ورَعْيِها وتَجْفِيفها. ولَنا، أنَّ هذا أجْرٌ واجِبٌ على المُعَرِّفِ، فكان عليه، كما لو قَصَدَ تَمَلُّكَها، ولأنَّه لو وَلِيَه بِنَفسِه، لم يكُنْ له أجْرٌ على صاحِبِها، فكذلك إذا اسْتَأْجَرَ عليه لا يَلْزَمُ صاحِبَها شيءٌ، ولأنَّه سَبَبٌ لِتَمَلُّكِها (١١)، فكان على المُلْتَقِطِ، كما لو قَصَدَ تَمَلُّكَها. وقال مالِكٌ: إن أعْطَى منها شيئا لمن عَرَّفَها، فلا غُرْمَ عليه، كما لو دَفَعَ منها شيئا لمَن حَفِظَها (١٢). وقد ذَكَرْنا الدَّلِيلَ على ذلك.

الفصل السادس: في كَيْفِيَّةِ التَّعرِيفِ، وهو أن يَذْكُرَ جِنْسَها [لا غيرُ] (١٣)، فيقولَ: من ضاعَ منه ذَهَبٌ أو فِضَّةٌ أو دَنَانِيرُ أو ثِيَابٌ. ونحو ذلك؛ لقولِ عمرَ، رَضِىَ اللَّه عنه، لواجِدِ الذَّهَبِ: [قل: الذهبُ] بطَرِيقِ الشَّامِ. ولا يَصِفُها؛ لأنَّه لو وَصَفَها لَعَلِمَ صِفَتَها مَن يَسْمَعُها، فلا تَبْقَى صِفَتُها دَلِيلًا على مِلْكِها، لمُشَارَكَةِ غيرِ المالِكِ في ذلك، ولأنَّه لا يَأْمَنُ أن يَدَّعِيَها بعضُ من سَمِعَ صِفَتَها (١٤)، ويَذْكُرَ صِفَتَها التي يَجِبُ دَفْعُها بها، فيَأْخُذَها وهو لا يَمْلِكُها، فتَضِيعَ على مالِكِها.

فصل: لم يُفَرِّق الخِرَقِيُّ بين يَسِيرِ اللُّقَطَةِ وكثِيرِها. وهو ظاهِرُ المذهبِ، إلَّا في اليَسِيرِ الذي لا تَتْبَعُه النَّفْسُ، كالتَّمرةِ والكِسرَةِ والخِرْقَةِ، وما لا خَطَرَ له، فإنَّه لا بَأْسَ بأَخْذِه والانْتِفَاعِ به من غيرِ تَعرِيفٍ؛ لأنَّ النبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يُنْكِرْ على واجِدِ التَّمْرَةِ


(١١) في م: "لملكها".
(١٢) في م: "جففها".
(١٣) سقط من: الأصل.
(١٤) في م زيادة: "من سمع".

<<  <  ج: ص:  >  >>