للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَوْضِعِه، فَيُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ الأَجْنَبِىِّ. ولأنَّ التُّهْمَةَ بين الأَبِ وَوَلَدِه مُنْتَفِيَةٌ، إذْ من طَبْعِه الشَّفَقَةُ عليه، والمَيْلُ إليه (٢)، وتَرْكُ حَظِّ نَفْسِه لِحَظِّه، فلذلك جازَ. وفارَقَ الجَدَّ والوَصِىَّ والحاكِمَ وأَمِينَه؛ فإنَّ التُّهْمَةَ غيرُ مُنْتَفِيَةٍ في حَقِّهِم. وأمَّا تَولِّى طَرَفَىِ العَقْدِ، فيَجوزُ، بِدَلِيلِ الأَصْلِ الذي ذَكَرْناه. ولا نُسَلِّمُ ما ذَكَرَهُ فيما إذا أَرَادَ أن يَتَزَوَّجَ ابْنَةَ عَمِّه، بل يَجوزُ بِدَلِيلِ أن عبدَ الرحمنِ بن عَوْفٍ قال لِابْنَةِ قارِظٍ: أتجْعَلِينَ أمْرَكِ إلىَّ؟ قالتْ: نعم. قال: قد تَزَوَّجْتُكِ (٣). [ولَئِنْ سَلَّمْنَا فلأَنَّ] (٤) التُّهْمَةَ غيرُ مُنْتَفِيَةٍ ثَمَّ.

٨٤٦ - مسألة؛ قال: (وَمَا فَعَلَ الْوَكِيلُ بَعْدَ فَسْخِ المُوَكِّلِ أوْ مَوْتِه فبَاطِلٌ)

وجملتُه أنَّ الوَكَالَةَ عَقْدٌ جائِزٌ من الطَّرَفَيْنِ، فَلِلْمُوَكِّلِ عَزْلُ وَكِيلِه متى شاءَ، ولِلْوَكِيلِ عَزْلُ نَفْسِه؛ لأنَّه إذْن في التَّصَرُّفِ، فكان لكلِّ واحدٍ منهما إِبْطَالُه، كما لو أَذِنَ في أَكْلِ طَعَامِه. وتَبْطُلُ أيضًا بمَوْتِ أحَدِهما، أيِّهما كان، وجُنُونِه المُطْبِقِ. ولا خِلَافَ في هذا كلِّه فيما نَعْلَمُ. فمتى تَصَرَّفَ الوَكِيلُ بعدَ فَسْخِ المُوَكِّلِ، أو مَوْتِه، فهو باطِلٌ إذا عَلِمَ ذلك. فإن لم يَعْلَم الوَكِيلُ بالعَزْلِ، ولا مَوْتِ المُوَكِّلِ، فعن أحمدَ فيه رِوَايَتانِ. ولِلشّافِعِىِّ فيه قَوْلانِ. وظاهِرُ كلامِ الخِرَقِىّ هذا أنَّه يَنْعَزِلُ، عَلِمَ أو لم يَعْلَمْ. ومتى تَصَرَّفَ، فبَانَ أن تَصَرُّفَهُ بعدَ عَزْلِه، أو مَوْتِ مُوَكِّلِه، فتَصَرُّفُه باطِلٌ؛ لأنَّه رَفْعُ عَقْدٍ لا يَفْتَقِرُ إلى رِضَى صَاحِبِه، فلا يَفْتَقِرُ إلى عِلْمِه، كالطَّلَاقِ والعَتَاقِ. والرِّوَايةُ الثانية عن أحمدَ، لا يَنْعَزِلُ قبلَ عِلْمِه بمَوْتِ المُوَكِّلِ وعَزْلِه. نَصَّ عليه في رِوَايةِ جَعْفَرِ بن محمدٍ، لأنَّه لو انْعَزَلَ قبلَ عِلْمِه، كان فيه ضَرَرٌ؛ لأنَّه قد يَتَصَرَّفُ تَصَرُّفَاتٍ فتَقَعُ باطِلَةً، ورُبَّما باعَ الجارِيَةَ فيَطَؤُهَا المُشْتَرِى، أو الطَّعامَ فيَأْكُلُه، أو غير ذلك، فيَتَصَرَّفُ فيه المُشْتَرِى، ويَجِبُ ضَمَانُه، ويَتَضَرَّرُ المُشْتَرِى والوَكِيلُ. ولأنَّه يَتَصَرَّفُ


(٢) في م: "له".
(٣) أورده البخاري، في: باب إذا كان الولى هو الخاطب، من كتاب النكاح. صحيح البخاري ٧/ ٢١، وابن سعد، في الطبقات الكبرى ٨/ ٤٧٢.
(٤) في ب: "وإن سلمنا فإن".

<<  <  ج: ص:  >  >>