للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أنَّ كعبَ بنَ سُورٍ (١٤)، كان جالِسًا عند عمرَ، فجاءتْه امرأةٌ، فقالتْ: يا أميرَ المؤمنين، ما رأيتُ رجلًا قطُّ أفضلَ من زَوْجِى، واللهِ إنَّه لَيَبِيتُ ليلَه قائمًا، ويَظَلُّ نهارَه صائمًا في اليومِ الحارِّ ما يُفْطِرُ. فاسْتَغْفَرَ لها، وأثْنَى عليها، وقال: مِثْلُكِ أُنْثَى (١٥) الخيرِ. قال: واسْتحْيَتِ المرأةُ فقامَتْ راجعةً، فقال كعبٌ: يا أميرَ المؤمنين، هلَّا أعْدَيْتَ المرأةَ على زَوْجِها؟ قال: وما شَكَتْ؟ قال: شَكَتْ زَوْجَها أشَدَّ الشِّكايةِ. قال: أوَ ذاك أرادَتْ؟ قال: نعم. قال: رُدُّوا عليَّ المرأةَ. فقال: لا بَأْسَ بالحقِّ أن تَقُولِيه، إنَّ هذا زعَمَ أنَّكِ جئْتِ تَشْكِينَ زوجَك، أنه يَجْتنِبُ فِراشَكِ. قالتْ: أجَلْ، إنِّي امرأةٌ شابَّةٌ، وإنِّي لَأبْتَغِي ما يَبْتَغِي النِّساءُ. فأرْسَلَ إلى زَوْجِها، فجاء، فقال لكعبٍ: اقْضِ بينهما. قال: أميرُ المؤمنينَ أحَقُّ أن يَقْضِىَ بينهما. قال: عَزَمْتُ عليك لَتَقْضِيَنَّ بينهما، فإنَّك فَهِمْتَ مِن أمرِهما ما لم أفْهَمْ. قال: فإنِّي أرَى كأنَّها امرأةٌ (١٦) عليها ثلاثُ نِسْوةٍ، هي (١٧) رابِعتُهنَّ، فأقضِى له بثلاثةِ أيامٍ ولَيَالِيهِنَّ (١٨) يَتعبَّدُ فيهِنَّ، ولها يومٌ وليلةٌ. فقال عمرُ: واللهِ ما رَأْيُك الأوَّلُ أعْجبَ إليَّ من الآخِرِ، اذْهَبْ فأنت قاضٍ على البصرةِ (١٩). إذا ثبتَ هذا، فإنَّه يُشاوِرُ أهلَ العلمِ والأمانةِ؛ لأنَّ مَن ليس كذلك فلا قَوْلَ له في الحادثَةِ، ولا يُسْكَنُ إلى قولِه. قال سُفْيانُ: ولْيَكُنْ أهلُ مَشُورتِك أهلَ التَّقوَى وأهلَ الأمانةِ. ويُشاوِرُ المُوافقينَ والمُخالفينَ، ويَسألُهم عن حُجَّتِهم، لِيَبِينَ له الحقُّ.

فصل: والمُشاورةُ هاهُنا لاسْتخْراجِ الأدِلَّةِ، ويَعْرِفُ الحقَّ بالاجْتهادِ، ولا يجوزُ أن يُقلِّدَ غيرَه، ويحْكُمَ بقولِ سِواهُ، سواءٌ ظهرَ له الحقُّ فخالفَه غيرُه فيه، أو لم يَظْهَرْ له شيءٌ، وسَواءٌ ضاقَ الوقتُ، أو لم يَضِقْ. وكذلك ليس للمُفتي الفُتْيَا بالتَّقْليدِ.


(١٤) في م: "سوار". خطأ.
(١٥) في ب، م: "أثنى".
(١٦) سقط من: م.
(١٧) في الأصل: "وهي".
(١٨) في ب، م: "بلياليهن".
(١٩) تقدم تخريجه، في: ١٠/ ٢٣٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>