للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٧٥٦ - مسألة؛ قال: (وَلَا الطَّائِرِ قَبْلَ أنْ يُصَادَ)

وجُمْلَةُ ذلك؛ أنَّه إذا باعَ طائِرًا فى الهواءِ، لم يَصِحَّ، مَمْلُوكًا أو غيرَ مَمْلُوكٍ؛ أمّا المَمْلُوكُ؛ فلأنَّه غيرُ مَقْدُورٍ عليه، وغيرُ المَمْلُوكِ، لا يَجُوزُ لعِلَّتَيْنِ؛ إحداهما، العَجْزُ عن تَسْلِيمِه، والثّانيةُ، أنّه غيرُ مَمْلُوكٍ له. والأصلُ فى هذا نَهْىُ النَّبِىِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن بَيْعِ الغَرَرِ (١). وقيل فى تَفْسِيرِه: هو بَيْعُ الطَّيْرِ فى الهواءِ، والسَّمَكِ فى الماءِ. ولا نَعْلَمُ فى هذا خِلافًا. ولا فَرْقَ بينَ كَوْنِ الطّائِرِ يَأْلَفُ الرُّجُوعَ، أو لَا يأْلَفُه؛ لأنّه لا يَقْدِرُ على تَسْلِيمِه الآنَ، وإنّما يَقْدِرُ عليه إذا عادَ. فإنْ قيل: فالغائِبُ فى مكانٍ بَعِيدٍ، لا يَقْدِرُ على تَسْلِيمِه فى الحالِ! قلنا: الغائِبُ يَقْدِرُ على اسْتِحْضارِه، والطَّيْرُ لا يَقْدِرُ صاحِبُه على رَدِّهِ، إلّا أنْ يَرْجِعَ هو بنَفْسِه، ولا يَسْتَقِلُّ مالِكُه برَدِّه، فيَكُونُ عَاجِزًا عن تَسْلِيمِه، لعَجْزِه عن الواسِطَةِ التى يَحْصُلُ بها تَسْلِيمُهُ، بخِلافِ الغائِبِ. وإن باعَهُ الطَّيْرَ فى البُرْجِ، نَظَرْتَ؛ فإنْ كان البُرْجُ مَفْتُوحًا، لم يَجُزْ؛ لأنّ الطَّيْرَ إذا قَدَرَ على الطَّيَرانِ لم يُمْكِنْ تَسْلِيمُه، فإنْ كان مُغْلَقًا ويُمْكِنُ أخْذُه، جازَ بَيْعُه. وقال القاضِى: إنْ لم يُمكنْ أخْذُه إلَّا بِتَعَبٍ ومَشَقَّةٍ، لم يَجُزْ بَيْعُه؛ لِعَدَمِ القُدْرَةِ على تَسْلِيمِه. وهذا مذهبُ الشَّافِعِىِّ. وهو مُلْغًى بالبَعِيدِ الذى لا يُمكنُ إحْضارُه إلَّا بِتَعَبٍ ومَشَقَّةٍ. وفَرَّقُوا بينهما، بأنَّ البَعِيدَ تُعْلَمُ الكُلْفَةُ التى يَحْتاجُ إليها فى إحْضارِه بالعادَةِ، وتَأْخِيرُ التَّسْلِيمِ مُدَّتُه مَعْلُومَةٌ، ولا كذلك فى إمْساكِ الطَّائِرِ. والصَّحِيحُ، إنْ شاء اللهُ تعالى، أنَّ تَفاوُتَ المُدَّةِ فى إحْضارِ البَعِيد (٢)، واخْتِلافَ


= كما أخرجه أبو داود، فى: باب فى بيع الغرر، من كتاب البيوع. سنن أبى داود ٢/ ٢٢٨. والنسائى، فى: باب بيع الحصاة، من كتاب البيوع. المجتبى ٧/ ٢٣٠. وابن ماجه، فى: باب النهى عن بيع الحصاة وعن بيع الغرر، من كتاب التجارات. سنن ابن ماجه ٢/ ٧٣٩. والدارمى، فى: باب فى بيع الحصاة، من كتاب البيوع. سنن الدارمى ٢/ ٢٥٤. والإمام أحمد، فى: المسند ٢/ ٢٥٠، ٣٧٦، ٤٣٦، ٤٣٩، ٤٩٦.
(١) تقدم تخريج الحديث فى المسألة السابقة.
(٢) فى الأصل، م: "ولا البعيد".

<<  <  ج: ص:  >  >>