للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رُجُوعٍ يَسْقُطُ إلى عِوَضٍ، فكان على التَّرَاخِى، كالرُّجُوعِ فى الهِبَةِ. والثانى، هو على الفورِ؛ لأنَّه خِيَارٌ يَثْبُتُ فى البَيْعِ لِنَقْصٍ فى العِوَضِ، فكان على الفَوْرِ، كالرَّدِّ بِالعَيْبِ. ولأنَّ جَوَازَ تَأْخِيرِه (٤) يُفضِى إلى الضَّرَرِ بالغُرَمَاءِ، لإفْضَائِه إلى تَأْخِيرِ حُقُوقِهِم، فأشْبَهَ خِيارَ الأَخْذِ بالشُّفْعَةِ. ونَصَرَ القاضِى هذا الوَجْهَ، ولأصْحابِ الشَّافِعِىِّ وَجْهانِ كهذَيْنِ.

فصل: فإن بَذَلَ الغُرَمَاءُ الثَّمَنَ لِصَاحِبِ السِّلْعَةِ لِيَتْرُكَها، لم يَلْزَمْهُ قَبُولُه. نَصَّ عليه أحمدُ. وبه قال الشَّافِعِىُّ. وقال مالِكٌ: ليس له الرُّجُوعُ؛ لأنَّ الرُّجُوعَ إنَّما يجوزُ لِدَفْعِ ما يَلْحَقُه من النَّقْصِ فى الثَّمَنِ، فإذا بُذِلَ له بِكَمَالِه، لم يكُنْ له الرُّجُوعُ، كما لو زَالَ العَيْبُ من المَعِيبِ. ولَنا، الخَبَرُ الذى رَوَيْناه، ولأنَّه تَبَرُّعٌ بِدَفْعِ الحَقِّ مِن غَيْرِ مَن هو عليه، فلم يُجْبَرْ صَاحِبُ الحَقِّ على قَبْضِه، كما لو أعْسَرَ الزَّوْجُ بالنَّفَقَةِ، فبَذَلَها غيرُه، أو عَجَزَ المُكَاتَبُ، فبَذَلَ غيرُه ما عليه لِسَيِّدِه، وبهذا يَنْتَقِضُ ما ذَكَرُوه، وسواءٌ بَذَلُوه من أمْوَالِهِم أو خَصُّوه بِثَمَنِه من التَّرِكَةِ، وفى هذا القَسْمِ ضَرَرٌ آخَرُ؛ لأنَّه لا يَأْمَنُ تَجَدُّدَ ثُبُوتِ دَيْنٍ آخَرَ، فَيَرْجِعُ عليه. وإن دَفَعُوا إلى المُفْلِسِ الثَّمَنَ، فبَذَلَه لِلْبائِعِ، لم يكُنْ له الفَسْخُ؛ لأنه زَالَ العَجْزُ عن تَسْلِيمِ الثَّمَنِ، فزَالَ مِلْكُ الفَسْخِ، كما لو أسْقَطَ سَائِرُ الغُرَماءِ حُقُوقَهم عنه، فمَلَكَ أدَاءَ الثَّمَنِ. ولو أسْقَطَ الغُرَماءُ حُقُوقَهُم (٥) عنه، فتَمَكَّنَ من الأَدَاءِ، أو وُهِبَ له مَالٌ. فأمْكَنَهُ الأدَاءُ منه، أو غَلَتْ أعْيَانُ مَالِه، فصَارَتْ قِيمَتُها وَافِيَةً بحُقُوقِ الغُرَمَاءِ، بحيثُ يُمكِنُه أداءُ الثَّمَنِ كلِّه، لم يكُنْ لِلْبَائِع الفَسْخُ؛ لِزَوالِ سَبَبِه، ولأنَّه أمْكَنَه الوُصُولُ إلى ثَمَنِ سِلْعَتِه (٦) من المُشْتَرِى، فلم يكن له الفَسْخُ، كما لو لم يُفْلِسْ.

فصل: فإن اشْتَرَى المُفْلِسُ من إنْسَانٍ سِلْعَةً بعد ثُبُوتِ الحَجْرِ عليه فى ذِمَّتِه،


(٤) فى النسخ: "تأخير".
(٥) فى الأصل: "حقهم".
(٦) فى الأصل: "السلعة".

<<  <  ج: ص:  >  >>