للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عبدِ اللهِ: إذا اعْتَمَرَ عن غيرِه، ثم أرَادَ الحَجَّ لِنَفْسِه، يَخْرُجُ إلى المِيقاتِ، أو اعْتَمَرَ عن نَفْسِه، يَخْرُجُ إلى المِيقاتِ، [وإن دَخَلَ مَكَّةَ بغيرِ إحْرَامٍ، ثم أرَادَ الحَجَّ, يَخْرُجُ إلى المِيقاتِ] (١١). واحْتَجَّ له القاضى، بأنَّه جاوَزَ المِيقَاتَ مُرِيدًا لِلنُّسُكِ، غيرَ مُحْرِمٍ لِنَفْسِه، فلَزِمَه دَمٌ إذا أحْرَمَ دُونَه، كمَنْ جاوَزَ المِيقَاتَ غيرَ مُحْرِمٍ. وعلى هذا لو حَجَّ عن شَخْصٍ واعْتَمَرَ عن آخَرَ، أو اعْتَمَرَ عن إنْسَانٍ ثم حَجَّ أو اعْتَمَرَ عن آخَرَ، فكذلك. وظاهِرُ كَلَامِ الخِرَقِىِّ أنَّه لا يَلْزَمُه الخُرُوجُ إلى المِيقَاتِ في هذا كُلِّه؛ لما ذَكَرْنا من أنَّ كُلَّ مَن كان بِمَكَّةَ كالقَاطِنِ بها، وهذا حاصِلٌ بمَكَّةَ حَلالًا (١٢) على وَجْهٍ مُبَاحٍ، فأشْبَهَ المَكِّىَّ. وما ذَكَرَهُ القَاضِى تَحَكُّمٌ لا يَدُلُّ عليه خَبَرٌ، ولا يَشْهَدُ له أثَرٌ، وما ذَكَرَهُ من المَعْنَى فاسِدٌ لِوُجُوهٍ: أحدُها، أنَّه لا يَلْزَمُ أن يكونَ مُرِيدًا لِلنُّسُكِ عن نَفْسِه حالَ مُجَاوَزَة المِيقَاتِ، فإنَّه قد يَبْدُو له بعدَ ذلك. الثاني، أنَّ هذا لا يَتَنَاوَلُ من أحْرَمَ عن غيرِه. الثالث، أنَّه لو وَجَبَ بهذا الخُرُوجُ إلى المِيقَاتِ، لَلَزِم المُتَمَتِّعَ والمُفْرِدَ؛ لأنَّهما تجَاوَزَا المِيقاتَ، مُرِيدِينَ لغيرِ النُّسُكِ الذى أحْرَمَا به. الرابع، أن المَعْنَى في الذى يُجَاوِزُ المِيقَاتَ غيرَ مُحْرِمٍ، أنَّه فَعَلَ ما لا يَحِلُّ له فِعْلُه، وَترَكَ الإحْرَامَ الوَاجِبَ عليه في مَوْضِعِه، فأحْرَمَ من دُونِه.

فصل: ومِن أيِّ الحَرَمِ أحْرَمَ بالحَجِّ جازَ؛ لأنَّ المَقْصُودَ من الإحْرامِ به الجَمْعُ في النُّسُكِ بين الحِلِّ والحَرَمِ، وهذا يَحْصُلُ بالإحْرَامِ مِن أيِّ مَوْضِعٍ كان، فجازَ، كما يجوزُ أن يُحْرِمَ بالعُمْرَةِ مِن أيِّ مَوْضِعٍ كان مِن الحِلِّ، ولذلك قال النَّبِىُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأصْحَابِهِ في حَجَّةِ الوَدَاعِ: "إذَا أرَدْتُمْ أنْ تَنْطَلِقُوا إلى مِنًى، فأهِلُّوا مِنَ البَطْحَاءِ: (١٣). ولأنَّ ما اعْتُبِرَ فيه الحَرَمُ اسْتَوَتْ فيه البَلْدَةُ وغَيْرُها، كالنَّحْرِ.


(١١) سقط من: أ، نقلة نظر.
(١٢) سقط من: ب، م.
(١٣) أخرجه مسلم، في: باب بيان وجوه الإحرام، من كتاب الحج. صحيح مسلم ٢/ ٨٨٢. والبيهقى، في: باب ما يستحب من الإهلال عند التوجه. . .، من كتاب الحج ٥/ ٣١. والإمام أحمد، في: المسند ٣/ ٣١٨, ٣١٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>