للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وحديثُ عائِشَةَ، الذي رَوَاهُ البُخَارِيُّ، ليس فيه أمْرٌ بالغُسْلِ، ولو أُمِرَتْ بالغُسْلِ لم يكنْ فيه حُجَّةٌ؛ لأنَّ ذلك ليس هو غُسْلَ الحَيْضِ، إنَّما أُمِرَتْ بالغُسْلِ في حالِ الحَيْضِ للإِحْرَامِ بالحَجّ؛ فإنَّها قالتْ: أدْرَكَنِي يومُ عَرَفَةَ، وأنا حائِضٌ، فشَكَوْتُ ذلك إلى النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال: "دَعِى عُمْرَتَكِ، وانْقُضِى رَأْسَكِ، وامْتَشِطِي (١٦) ". وإنْ ثَبَتَ الأمْرُ بالغُسْلِ حُمِلَ على الاسْتِحْبَابِ، بما ذكرنا مِن الحديثِ، وفيه ما يَدُلُّ على الاسْتِحْبابِ؛ لأنَّه أَمرَهَا بالمَشْطِ، وليس بواجِبٍ، فما هو مِنْ ضَرُورَتِهِ أَوْلَى.

فصل: وغَسْلُ بَشَرَةِ الرَّأْسِ واجِبٌ، سَوَاءٌ كان الشَّعَرُ كَثِيفًا أو خَفِيفًا، وكذلك كلُّ ما تَحتَ الشَّعَرِ، كجِلْدِ اللِّحْيَةِ، وغيرِها؛ لما رَوَتْ أسْمَاءُ، أَنَّها سأَلَت النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- عن غُسْلِ الجنابةِ، فقال: "تَأْخُذُ إحْدَاكُنَّ ماءً، فتَطَهَّرُ، فَتُحْسِنُ الطُّهُورَ، أو تَبْلُغُ الطُّهُورَ، ثم تَصُبُّ عَلَى رَأْسِها، فتَدْلُكُه حَتَّى تَبْلُغَ شُئُونَ رَأْسِها، ثُمَّ تُفِيضُ عَلَيْهَا الماءَ". وعن عليٍّ، رَضِيَ اللهُ عنه، عن النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، أنَّه قال: "مَنْ تَرَكَ مَوْضِعَ شَعَرَةٍ مِنْ جَنَابَةٍ لَمْ يُصِبْها الماءُ فُعِلَ بهِ مِنَ النَّارِ كَذَا وكَذَا". قال عليٌّ: فَمِنْ ثَمَّ عادَيْتُ شَعَرِي. قال: وكان يَجُزُّ شَعَرَهُ. رواه أبو داود (١٧). ولأَنَّ ما تَحتَ الشَعَرِ بَشَرَةٌ، أمْكَنَ إيصالُ الماءِ إليها مِن غيرِ ضَرَرٍ، فَلَزِمَهُ كسائرِ بَشَرَتِه.

فصل: فأمَّا غَسْلُ ما اسْتَرْسَلَ من الشَّعَرِ، وبَلُّ ما على الجسدِ منه، ففيه وَجْهان: أحَدُهما؛ يجبُ، وهو ظاهرُ قولِ الأصحابِ، ومذهبُ الشَّافِعِيِّ؛ لما رُوِيَ من النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أنَّه قال: "تَحْتَ كُلِّ شَعَرَةٍ جَنَابَةٌ، فَبُلُّوا الشَّعَرَ، وأَنْقُوا البَشَرَةَ". رواهُ أبو داود، وغيره (١٨)، ولأنَّه شَعَرٌ نابِتٌ في مَحَلِّ الغُسْلِ، فوجب غَسْلُه،


(١٦) تقدم في صفحة ٢٩٩.
(١٧) في: باب في الغسل من الجنابة، من كتاب الطهارة. سنن أبي داود ١/ ٥٧. كما أخرجه ابن ماجه، في: باب تحت كل شعرة جنابة، من كتاب الطهارة. سنن ابن ماجه ١/ ١٩٦.
(١٨) أخرجه أبو داود، في: باب في الغسل من الجنابة، من كتاب الطهارة. سنن أبي داود ١/ ٥٧. والترمذي، في: باب ما جاء أن تحت كل شعرة جنابة، من أبواب الطهارة. عارضة الأحوذي ١/ ١٦١. وابن ماجه، في: باب تحت كل شعرة جنابة، من كتاب الطهارة. سنن ابن ماجه ١/ ١٩٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>