للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أرادَ قَتْلَه، فقال له أنَسٌ: قدْ أمَّنْتَهُ، فلا سبيلَ لكَ عليه. وشَهِدَ الزُّبَيْرُ بذلك، فعَدُّوه أمانًا. روَاه سعيدٌ (١٣). ولأنَّ للإمامِ الْمَنَّ عليه، والأمانُ دونَ ذلك. فأمَّا آحادُ الرَّعِيَّةِ، فليس له ذلك. وهذا مذهبُ الشافِعِىّ. وذكرَ أبو الخَطَّابِ، أنَّه يصِحُّ أمانُه؛ لأنَّ زَينبَ ابنةَ رسولِ اللَّه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، أجارَتْ زوجَها أبا العاص بن الرَّبِيعِ بعدَ أسْرِه، فأجازَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أمانَها. وحُكِىَ هذا عن الأوْزَاعِىّ. ولَنا، أنَّ أمْرَ الأسيرِ مُفَوَّضٌ إلى الإمامِ، فلم يجُزِ الافْتِياتُ عليه فيما يَمْنَعُه ذلك، كقَتْلِه. وحديثُ رينبَ فى أمانِها، إنَّما صحَّ بإجازَةِ النَّبِىِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.

فصل: وإذا شَهِدَ للأسيرِ اثْنان أو أكثرُ من المسلمين، أنَّهم أمَّنُوه، قُبِلَ، إذا كانوا بصِفَةِ الشُّهودِ. وقال الشافِعِىُّ: لا تُقْبَلُ شهادَتُهم؛ لأنَّهم يشْهدُون على فِعْلِ أنفُسِهم. ولَنا، أنَّهُم عُدولٌ من المسلمين، غيرُ مُتَّهَمِين، شَهِدُوا (١٤) بأمانِهِ، فوَجَبَ أنْ يُقْبَلَ، كما لو شَهِدُوا على غيرِهم أنَّه أمَّنَه. وما ذكَره (١٥) لا يصِحُّ، لأنَّ (١٦) النَّبِىَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قبِلَ شهادةَ المُرْضِعَةِ على فِعْلِها، فى حديثِ عُقْبةَ بن الحارِث (١٧). وإنْ شهِدَ واحدٌ أنِّى أمَّنْتُه. فقال القاضى: قياسُ قولِ أحمد، أنَّه يُقْبَلُ، كما لو قال الحاكمُ بعدَ عَزْلِه: كنتُ حكمتُ لفلانٍ على فُلانٍ بحقٍّ. قُبِلَ قولُه. وعلى قياسِ (١٨) قولِ أبى الخَطَّابِ: يصِحُّ أمانُه، فقُبِلَ خبرُه به، كالحاكمِ فى حَالِ وِلايَتِه. وهذا قولُ الأوْزَاعِىِّ. ويَحْتَمِلُ أنْ لا يُقْبَلَ؛ لأنَّه ليس له أنْ يُؤمِّنَه فى الحالِ، فلم يُقْبَلْ إقْرارُه به، كما لو أقرَّ بحقٍّ على غيرِه. وهذا قولُ الشافِعِىّ، وأبى عُبَيْدة (١٩).


(١٣) فى: باب قتل الأسارى، والنهى عن المثلة، من كتاب الجهاد. السنن ٢/ ٢٥٢.
كما أخرجه ابن أبى شيبة، فى: باب فى الأمان ما هو وكيف هو؟ من كتاب الجهاد. المصنف ١٢/ ٤٥٦، ٤٥٧.
(١٤) فى م: "أشهدوا".
(١٥) فى أ، م: "ذكروه".
(١٦) فى م: "فإن".
(١٧) تقدم تخريجه، فى: ١١/ ٣١٠.
(١٨) سقط من: أ، م.
(١٩) فى أ: "وأبى عبيد".

<<  <  ج: ص:  >  >>