للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الغُرْمُ، وان اسْتدانَ وأدَّاها، جازَ له الأخْذُ؛ لأنَّ الغُرْمَ باقٍ، والمطالبةَ قائمةٌ، والفَرْقُ بين هذا الغُرْمِ والغُرْمِ لِمَصْلحةِ نَفْسِه، أَنَّ هذا الغُرْمَ يُؤْخَذُ (١٤) لحاجَتِنا إليه لإِطْفاءِ الثَّائرةِ، وإخْمادِ الفِتْنةِ، فجاز له الأخذُ مع الغِنَى، كالغازِى والمُؤَلَّفِ والعامِلِ (١٥). والغارمُ لمصلحةِ نَفْسِه يأخذُ لِحَاجةِ نفسِه، فاعْتُبِرَتْ حاجَتُه وعجزُه، كالفقيرِ والمِسْكينِ والمُكاتَبِ وابن السَّبِيلِ. وإذا كان الرجلُ غَنِيًّا، وعليه دَيْنٌ لمصلحةٍ لا يُطيقُ قضاءَه، جاز أن يُدْفَعَ إليه ما يُتِمُّ به قضاءَه، مع ما زاد عن حَدِّ الغِنَى. فإذا قُلْنا: الغِنَى يحصلُ بخمْسِينَ دِرْهَمًا. وله مائةٌ، وعليه مائةٌ، جاز أن يُدْفَعَ إليه (١٦) خَمْسُونَ، لِيَتِمَّ قَضاءُ المائةِ من غيرِ أن يَنْقُصَ غِناهُ. قال أحمدُ: لا يُعْطَى مَنْ عنده خَمْسونَ دِرْهمًا أو حِسابُها من الذّهَبِ، إلَّا مَدِينًا، فيُعْطَى دَيْنَه، وإن كان يُمْكِنُه قضاءُ الدَّيْنِ من غيرِ نَقْصٍ من الغِنَى لم يُعْطَ شَيْئًا.

فصل: وإذا أراد الرجلُ دَفْعَ زَكَاتِه إلى الغارِمِ، فله أن يُسَلِّمَها إليه لِيَدْفَعَها إلى غَرِيمِه، وإن أحَبَّ أن يَدْفَعَها إلى غَرِيمه قضاءٌ عن دَيْنِه، فعن أحمدَ فيه رِوَايتان؛ إحْداهما، يجوزُ ذلك. نَقَلَ أبو الحارثِ، قال: قلتُ لأحمدَ: رَجُلٌ عليه أَلْفٌ، وكان على رَجُلٍ زكاةُ مالِه ألْفٌ، فأدَّاها عن هذا الذى عليه الدَّيْنُ، يجوزُ هذا من زَكاتِه؟ قال: نعم، ما أرَى بذلك بأْسًا. وذلك لأنَّه دَفَعَ الزكاةَ فى قَضاءِ دَيْنِه، فأشْبَهَ ما لو دَفَعَها إليه فَقَضَى (١٧) بها دَيْنَه. والثانية، لا يجوزُ دَفْعُها إلى الغريمِ. قال أحمدُ: أحَبُّ إلىَّ أن يَدْفَعَه إليه، حتى يَقْضِىَ هو عن نَفْسِه. قيل: هو مُحْتاجٌ يَخافُ أن يَدْفَعَه إليه، فيَأْكُلَه، ولا يَقْضِىَ دَيْنه. قال: فقُلْ له يُوَكِّلُه حتى يَقْضِيَه. فظاهرُ هذا أنَّه لا يَدْفَعُ الزَّكاةَ إلى الغَريمِ إلَّا بوَكالةِ الغارمِ؛ لأنَّ الدَّيْنَ إنَّما هو على الغارِمِ، فلا يَصِحُّ قَضاؤُه إلَّا


(١٤) رسم الكلمة فى النسخ: "يأخذ".
(١٥) سقط من: ب.
(١٦) فى م: "له".
(١٧) فى أ، ب: "فقضى". وفى م: "يقضى".

<<  <  ج: ص:  >  >>