للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لم تَجُزْ إجَارَتُها للإِرْضاعِ، إلَّا أن يكونَ لَبَنُها (٦) فَضَلَ عن رِيِّه (٧)؛ لأنَّ الحَقَّ لِوَلَدِها، وليس لِسَيِّدِها إلَّا ما فَضَلَ عنه. وإن كانت مُزَوَّجَةً، لم تَجُزْ إجَارَتُها لذلك إلَّا بإذْنِه؛ لأنَّه يُفَوِّتُ حَقَّ الزَّوْجِ، لِاشْتِغَالِها عنه بإرْضاعِ الصَّبِىِّ وحَضَانَتِه. فإن أجَرَها للرَّضَاعِ، ثم زَوَّجَها، صَحَّ النِّكاحُ، ولا يَنْفَسِخُ عَقْدُ الإِجَارَةِ، ويكون للزَّوْجِ أن يَسْتَمْتِعَ بها في حالِ فَرَاغِها من الرَّضَاعِ والحَضَانَةِ. وقال مالِكٌ: لَيس لِزَوْجِها وَطْؤُها إلَّا بِرِضَى المُسْتَأْجِرِ؛ لأنَّه يَنْقُصُ اللَّبَنَ، وقد يَقْطَعُه. ولَنا، أنَّ وَطْءَ الزَّوْجِ مُسْتَحَقٌّ، فلا يَسْقُطُ لأمْرٍ مَشْكُوكٍ فيه. وليس لِلسَّيِّدِ إجَارَةُ مُكَاتَبَتِه؛ لأنَّ مَنَافِعَها لها (٨)، ولذلك لم يَمْلِكْ سَيِّدُها تَزْوِيجَها، ولا وَطْأَها، ولا إجارَتَها في غيرِ الرَّضَاعِ. ولها أن تُؤْجِرَ نَفْسَها؛ لأنَّه من جِهَاتِ الاكْتِسَابِ.

فصل: ويجوزُ لِلرَّجُلِ اسْتِئْجارُ أُمِّه (٩)، وأُخْتِه، وابْنَتِه، لِرَضَاعِ وَلَدِه، وكذلك سائِرِ أقَارِبِه، بغيرِ خِلَافٍ. وإن اسْتَأْجَرَ امْرَأَتَه لِرَضَاعِ وَلَدِه منها، جازَ. هذا الصَّحِيحُ من مذهبِ أحمدَ، وذَكَرهُ الخِرَقىُّ فقال: وإن أرَادَتِ الأُمُّ أن تُرْضِعَه بأجْرِ مِثْلِها، فهى أحَقُّ به من غيرِها، سواءٌ كانت في حِبَالِ الزَّوْجِ أو مُطَلَّقَتَهُ. وقال القاضي: ليس لها (١٠) ذلك. وتَأَوَّلَ كَلَامَ الخِرَقِىِّ على أنَّها في حِبَالِ زَوْجٍ آخَرَ. وهذا قولُ أصْحابِ الرَّأْى. وحُكِىَ عن الشافِعِىِّ؛ لأنَّه قد اسْتَحَقَّ حَبْسَها والاسْتِمْتاعَ بها بِعِوَضٍ، فلا يجوزُ أن يَلْزَمَه عِوَضٌ آخَرُ لذلك. ولَنا، أنَّ كلَّ عَقْدٍ يَصِحُّ أن تَعْقِدَه مع غيرِ الزَّوْجِ، يَصِحُّ أن تَعْقِدَه معه، كالبَيْعِ، ولأنَّ مَنَافِعَها في الرَّضَاعِ والحَضَانةِ غيرُ مُسْتَحَقَّةٍ للزَّوْجِ، بِدَلِيلِ أنَّه لا يَمْلِكُ إجْبَارَها على حَضَانةِ وَلَدِها، ويجوزُ لها أن


(٦) في ب، م: "فيها".
(٧) في ب، م: "ربه".
(٨) في م: "إليها".
(٩) في ب، م: "أمته".
(١٠) في الأصل، ب: "له".

<<  <  ج: ص:  >  >>