للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُخالِعَها على عبدٍ لم تُعَيِّنُه فيَبِينُ حُرًّا، أو مَغْصوبًا، أو على خَلٍّ فَيَبِينُ خمرًا، فإنَّ الخُلْعَ صحيحٌ، فى قولِ أكثرِ أهلِ العلمِ؛ لأنَّ الخُلْعَ مُعاوَضَةٌ بالبُضْعِ، فلا يَفسُدُ بفَسادِ العِوَض، كالنِّكاحِ، ولكنَّه يَرْجِعُ عليها بقِيمَتِه لو كان عبدًا. وبهذا قال أبو ثَوْرٍ، وصاحبا أبى حنيفةَ. وإن خالعَها على هذا الدَّنِّ الخَلِّ، فبانَ خمرًا، رَجَعَ عليها بمِثْلِه خَلًّا؛ لأنَّ الخَلَّ (١) من ذواتِ الأمثالِ، وقد دخلَ على أَنَّ هذا المُعَيَّنَ خَلٌّ، فكان له مثلُه، كما لو كان خَلًّا فتَلِفَ قبلَ قَبضِه. وقد قيلَ: يَرْجِعُ بقِيمَةِ مثلِه خَلًّا؛ لأنَّ الخمرَ ليس من ذواتِ الأمثالِ. والصَّحيحُ الأوَّلُ؛ لأنَّه إنَّما وجبَ عليها مثلُه لو كان خَلًّا، كما تُوجَبُ قيمةُ الحُرِّ بتَقْديرِ كَونه عَبْدًا، فإنَّ الحُرَّ لا قِيمَةَ له. وقال أبو حنيفةَ فى المسألةِ كلها: يَرْجِعُ بالمُسمَّى. وقال الشَّافعىُّ: يَرْجِعُ بمهرِ المِثلِ؛ لأنَّه عَقْدٌ على البُضْعِ بعِوَضٍ فاسدٍ، فأشْبَهَ النِّكاح بخَمْرٍ. واحتجَّ أبو حنيفةَ بأنَّ خُروجَ البُضْعِ لا قِيمَةَ له، فإذا [غُرَّ به] (٢)، رجعَ عليها بما أخَذتْ. ولَنا، أنَّها عَيْنٌ يجبُ تسْليمُها مع سَلامتِها، وبَقاءِ سببِ الاسْتحقاقِ، فوجبَ بَدَلُها مُقدَّرًا بقيمَتِها أو مثلِها، كالمَغْصوب والمُسْتَعارِ. وإذا خالعَها على عبدٍ، فخرجَ مَغْصوبًا، أو أُمَّ ولَد، فإنَّ أبا حنيفةَ يُسَلِّمُه، ويوافقُنا فيه.

فصل: وإن خالَعَها على مُحرَّمٍ يعْلمان تَحْريمَه، كالحُرِّ، والخمرِ، والخِنْزيرِ، والْمَيْتةِ، فهو كالخُلْعِ بغيرِ عِوَضٍ سواءٌ، لا يَستحقُّ شيئًا. وبه قال مالكٌ، وأبو حنيفةَ. وقال الشافعى: له عليها مهرُ المثلِ؛ لأنَّه مُعاوَضةٌ بالبُضْعِ، فإذا كان العِوَضُ مُحرَّمًا وجبَ مهرُ المثلِ، كالنِّكاحِ. ولَنا، أَنَّ خروجَ البُضْعِ مِن مِلْكِ (٣) الزَّوجِ غيرُ مُتَقَوَّمٍ، على ما أسْلَفْنا، فإذا رَضِىَ بغيرِ عِوَضٍ، لم يكُنْ له شىءٌ، كما لو طلَّقَها أو علَّقَ طلاقَها على فِعْلِ شىءٍ، ففَعلَتْه، وفَارقَ النِّكاحَ؛ فإنَّ دُخولَ البُضْعِ فى مِلْكِ الزَّوجِ


(١) فى ب، م: "الخلع".
(٢) فى أ، ب، م: "غرته".
(٣) فى الأصل: "مال".

<<  <  ج: ص:  >  >>