للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَلْزَمُه أجْرُ تلك المُدَّةِ؛ لأنَّه فَوَّتَ مَنْفَعَتَه، وهى مالٌ يجوزُ أَخْذُ العِوَضِ عنها، فضُمِنَتْ بالغَصْبِ، كمَنَافِع العَبْدِ. والثاني، لا يَلْزَمُه؛ لأنَّها تابِعَةٌ لما لا يَصِحُّ غَصْبُه، فأَشْبَهَتْ ثِيَابَهُ إذا بَلِيَتْ عليه وأَطْرَافَهُ، ولأنَّها تَلِفَتْ تحت يَدَيْهِ، فلم يَجِبْ ضَمَانُها، كما ذَكَرْنَا. ولو مَنَعَهُ العَمَلَ من غير حَبْسٍ، لم يَضْمَنْ مَنَافِعَه، وَجْهًا واحِدًا؛ لأنَّه لو فَعَلَ ذلك بالعَبْدِ لم يَضْمَنْ مَنَافِعَه، فالحُرُّ أَوْلَى. ولو حَبَسَ الحُرَّ وعليه ثِيَابٌ، لم يَلْزَمْهُ ضَمَانُها؛ لأنَّها تَابِعَةٌ لما لم تَثْبُتِ اليَدُ عليه في الغَصْبِ، وسواءٌ كان كَبِيرًا أو صَغِيرًا. وهذا كلُّه مذهبُ أبى حنيفةَ والشَّافِعِيِّ (٣٧).

فصل: وأُمُّ الوَلَدِ مَضْمُونةٌ بالغَصْبِ. وبهذا قال الشّافِعِيُّ، وأبو يوسفَ، ومحمدٌ. وقال أبو حنيفةَ: لا تُضْمَنُ؛ لأنَّ أُمَّ الوَلَدِ لا تَجْرِى مَجْرَى المالِ، بِدَلِيلِ أنَّه لا يَتَعَلَّقُ بها حَقُّ الغُرَمَاءِ، فأَشْبَهَتِ الحُرَّ. ولَنا، أنَّ ما يُضْمَنُ بالقِيمَةِ، يُضْمَنُ بالغَصْبِ، كالقِنِّ، ولأنَّها مَمْلُوكَةٌ، فأَشْبَهَتِ المُدَبَّرَةَ، وفارَقَتِ (٣٨) الحُرَّةَ؛ فإنَّها ليستْ مَمْلُوكَةً، ولا تُضْمَنُ بالقِيمَةِ.

فصل: وإذا فَتَحَ قَفَصًا عن (٣٩) طائِرٍ فَطَارَ، أو حَلَّ دابَّةً (٤٠) فذَهَبَتْ، ضَمِنَها. وبه قال مالِكٌ. وقال أبو حنيفةَ، والشَّافِعِيُّ: لا ضَمَانَ عليه، إلَّا أن يكونَ أهَاجَهُما حتى ذَهَبَا (٤١). وقال أَصْحابُ الشَّافِعِيِّ: إن وَقَفَا بعدَ الفَتْحِ والحَلِّ، ثم ذَهَبَا، لم يَضْمَنْهُما، وإن ذَهَبَا عَقِيبَ ذلك، ففيه قَوْلانِ. واحْتَجَّا (٤٢) بأن لهما اخْتِيَارًا، وقد وُجِدَتْ منهما المُبَاشرَةُ، ومن الفاتِحِ سَبَبٌ غيرُ مُلْجِئٍ. فإذا اجْتَمَعَا، لم يَتَعَلَّق


(٣٧) سقط من: ب.
(٣٨) في ب: "وفارق".
(٣٩) في ب، م: "على".
(٤٠) في ب، م: "دابته".
(٤١) في م زيادة: "عقيب".
(٤٢) أي أبو حنيفة والشافعي.

<<  <  ج: ص:  >  >>