يَتَحَرَّزُ مِن هذا عادَةً، كَتَحَرُّزِ الكَبِيرِ، فوُجُودُه مِنه فى تلك الحالِ يَدُلُّ على أنّ البَوْلَ لدَاءٍ فى باطِنِه، والسَّرِقَةَ والإباقَ لِخُبْثٍ فى طَبْعِه، وحُدَّ ذلك بالعَشْرِ لأمْرِ النَّبىِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِتأْدِيبِ الصَّبِىِّ على تَرْكِ الصَّلاةِ عندَها، والتَّفْرِيقِ بينهم فى المَضاجِعِ لِبُلُوغِها (٢١). فأمّا مَن دونَ ذلك فتَكُونُ هذه الأُمُورُ منه لِضَعْفِ عَقْلِه، وعَدَمِ تَثَبُّتِه. وكذلك إنْ كان العَبْدُ يَشْرَبُ الخَمْرَ، أو يَسْكَرُ مِن النَّبِيذِ. نَصَّ عليه أحمدُ؛ لأنّه يُوجِبُ عليه الحَدَّ، فهو كالزِّنَى. وكذلك الحُمْقُ الشَّدِيدُ، والاسْتِطالَةُ على النَّاسِ؛ لأنَّه يَحْتاجُ إلى التَّأْدِيبِ، ورُبّما تَكَرَّرَ فأفْضَى إلى تَلَفِه، ولا يكون عَيْبًا إلّا فى الكَبِيرِ دونَ الصَّغِير؛ لأنّه مَنْسُوبٌ إلى فِعْلِه. وعَدَمُ الخِتانِ ليس بِعَيْبٍ فى الصَّغِيرِ؛ لأنّه لم يَفُتْ وَقتُه، ولا فى الأمَةِ الكَبِيرَةِ. وبهذا قال الشّافِعِىُّ. وقال أصحابُ أبى حنيفةَ: هو عَيْبٌ فيها؛ لأنّه زِيادَةُ ألَمٍ، فأشْبَهَتِ العَبْدَ. ولَنا، أنَّه ليس بواجِبٍ فى حَقِّها، والألَمُ فيه يَسِيرٌ لا يُخْشَى منه التَّلَفُ، بخلافِ العَبْدِ الكَبِيرِ. فأمّا العَبْدُ الكَبِيرُ، فإنْ كان مَجْلُوبًا مِن الكُفارِ، فليس ذلك بِعَيْبٍ فيه؛ لأنّ العادَةَ أنَّهم لا يَخْتِتنُونَ، فصارَ ذلك مَعْلُومًا عندَ المُشْتَرِى، فهو كدِينِهم. وإنْ كان مُسْلِمًا مَوْلِدًا؛ فهو عَيْبٌ فيه؛ لأنَّه يُخْشَى عليه مِنه، وهو خلافُ العادَةِ.
فصل: والثُّيُوبَةُ ليست عَيْبًا؛ لأنَّ الغالِبَ على الجَوَارِى الثُّيُوبَةُ، فالإطلاقُ لا يَقْتَضِى خلافَها، وكَوْنُها مُحَرَّمَةً على المُشْتَرِى بِنَسَبٍ أو رَضاعٍ، ليس بِعَيْبٍ، إذ ليس فى المَحَلِّ ما يُوجِبُ خَلَلًا فى المالِيَّةِ، ولا نَقْصًا، وإنَّما التَحْرِيمُ مُخْتَصٌّ به. وكذلك الإحرامُ والصِّيامُ؛ لأنّهما يَزُولانِ قَرِيبًا. وبهذا قال أبو حنيفةَ، والشّافِعِىُّ. ولا نَعْلَمُ لهما مُخَالِفًا. وكذلك عِدَّةُ البائِنِ. وأمّا عِدَّةُ الرَّجْعِيَّةِ فهى عَيْبٌ؛ لأنّ الرَّجْعِيَّةَ زَوْجَةٌ، ولا يُؤْمَنُ ارْتجاعُه لها. ومَعْرِفَةُ الغِناءِ والحِجامَةِ لَيْسَتْ بِعَيْبٍ. وحُكِىَ عن مالِكٍ، فى الجارِيَةِ المُغَنِّيَةِ، أنّ ذلك عَيْبٌ فيها؛ لأنّ الغِناءَ