للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ فِيَما رَمَانِى (٢) بِهِ مِنَ الزِّنَى).

فى هذه المسألة مَسْألتان:

إحداهما: أَنَّ اللِّعانَ لا يَصِحُّ إلَّا بمَحْضرٍ من الحاكمِ، أو مَن يَقُومُ مَقامَه. وهذا مذهبُ الشافعىِّ؛ لأنَّ النَّبِىَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أمَرَ هِلالَ بن أُمَيّةَ أن يَسْتَدْعِىَ زَوْجَتَه إليه، ولَاعَنَ بينهما (٣). ولأنَّه إمَّا يَمِينٌ، وإمَّا شهادةٌ، وأيُّهما كان، فمِنْ شَرْطِه الحاكمُ. وإن تَرَاضَى الزَّوْجانِ بغيرِ الحاكمِ يُلاعِنُ بينهما، لم يَصِحَّ ذلك؛ لأنَّ اللِّعانَ مَبْنِىٌّ على التَّغْلِيظِ والتَّأْكِيدِ، فلم يَجُزْ بغيرِ الحاكمِ، كالحَدِّ. وسَواءٌ كان الزَّوْجانِ حُرَّيْنِ أو مَمْلُوكينِ، فى ظاهرِ كلامِ الْخِرَقِىِّ. وقال أصحابُ الشافعىِّ: للسَّيِّدِ أن يُلاعِنَ بينَ عَبْدِه وأمَتِه؛ لأنَّ له إقامَةَ الحَدِّ عليهما. ولَنا، أنَّه لِعانٌ بينَ زَوْجينِ، فلم يَجُزْ لغيرِ الحاكمِ أو نائِبِه، كاللِّعانِ بينَ الحُرَّيْنِ. ولا نُسَلِّمُ أَنَّ السَّيِّدَ يَمْلِكُ إقامةَ الحَدِّ على أمَتِه المُزَوَّجَةِ، ثم لا يُشْبِهُ اللِّعانُ الحَدَّ؛ لأنَّ الحَدَّ زَجْرٌ وتَأْدِيبٌ، واللِّعانُ إمَّا شهادة وإمَّا يمينٌ، فافْتَرَقا، ولأنَّ اللِّعانَ دارِئٌ للحَدِّ، ومُوجِبٌ له، فجَرَى مَجْرَى إقامةِ البَيِّنةِ على الزِّنَى والحُكْمِ به أو بنَفْيِهِ. وإن كانتِ المرأةُ خَفِرةً لا تَبْرُزُ لحوائِجِها، بَعَثَ الحاكمُ نائِبَه، وَبعَثَ معه عُدُولًا، ليُلَاعِنُوا بينهما، وإن بَعَثَ نائِبَه وحدَه جازَ؛ لأنَّ الجَمْعَ غيرُ واجِبٍ.

فصل: ويُسْتَحَبُّ أن يكونَ اللعانُ بمَحْضرِ جماعةٍ من المُسْلِمِينَ؛ لأنَّ ابنَ عباسٍ وابنَ عمرَ وسَهْلَ بن سعدٍ حَضَرُوه مع حداثةِ أسْنانِهم، فدَلَّ ذلك على أنَّه حَضَره جمعٌ كثيرٌ؛ لأنَّ الصِّبْيانَ إنَّما يَحْضُرُونَ المجالسَ تَبَعًا للرِّجالِ، ولأنَّ اللِّعانَ بُنِىَ على التَّغْليظِ، مُبالَغةً فى الرَّدْع به (٤) والزَّجْرِ، وفِعْلُه فى الجماعةِ أبْلَغُ فى (٥) ذلك. ويُسْتَحَبُّ أن لا يَنْقُصُوا عن أرْبَعةٍ؛ لأنَّ بَيِّنةَ الزِّنَى الذى شُرِعَ اللعانُ من أجْلِ الرَّمْىِ به أرْبعَةٌ، وليس


(٢) فى م: "رماها".
(٣) تقدم تخريجه فى: ٨/ ٣٧٣.
(٤) سقط من: ب.
(٥) فى ب: "من".

<<  <  ج: ص:  >  >>