للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثوبِ وخياطَتِه، فلا ضَمانَ عليه، ويسْقُطُ حَقُّ المسْروقِ منه من العَيْنِ، وإن كان زيادَةً في العَيْنِ، كصَبْغِهِ أحمرَ أو أصفرَ، فلا تُرَدُّ العَيْنُ، ولا يَحِلُّ له التَّصَرُّفُ فيها. وقال أبو يوسفَ، ومحمدٌ: تُرَدُّ العَيْنُ. وبَنَى هذا على أصلِه في أنَّ الغُرْمَ يُسْقِطُ عنه القَطْعَ. وأمَّا إذا صَبَغَه، فقال: لا يَرُدُّه؛ لأنَّه لو رَدَّه لَكان شريكًا فيه بِصَبْغِه، ولا يجوزُ أنْ يُقْطَعَ فيما هو شَرِيكٌ فيه. وهذا ليس بِصَحِيحٍ؛ لأنَّ صَبْغَه كانَ قبلَ القَطْعِ، فلو كان شريكًا بالصَّبْغِ لَسَقَطَ القَطْعُ، وإن كان يصيرُ شريكًا بالرَّدِّ، فالشَّرِكَةُ الطارِئَةُ بعدَ القَطْعِ لا تُؤَثِّرُ، كما لو اشْترَى نِصْفَه من مالِكِه بعدَ القَطْعِ. وقد سَلَّمَ أبو حنيفةَ، أنَّه لو سَرَقَ فِضَّةً، فضَرَبَها دَرَاهِمَ، قُطِعَ، ولَزِمَه رَدُّها. وقال صاحباه: لا يُقْطَعُ، ويسقطُ حَقُّ صاحِبها منها بضَرْبها. وهذا شيءٌ بَنَياهُ على أُصولِهما في أنَّ تَغْييرَ اسْمِها يُزِيلُ مِلْكَ صاحِبِها، وأنَّ مِلْكَ السَّارِقِ لها يُسْقِطُ القَطْعَ عنه، وهو غَيْرُ مُسلَّمٍ لهما.

١٥٨٧ - مسألة؛ قال: (وإذَا أخْرَجَ النَّبَّاشُ مِنَ الْقَبْرِ كَفَنًا قِيمَتُه ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ، قُطِعَ)

رُوِى عن ابنِ الزُّبَيْرِ، أنَّه قطعَ نَبَّاشًا (١). وبه قال الحسنُ، وعمرُ بنُ عبدِ العزيز، وقَتادَةُ، والشَّعْبِىُّ، والنَّخَعِىُّ، وحَمَّادٌ، ومالِكٌ، والشَّافِعِىُّ، وإسحاقُ، وأبو ثَوْرٍ، وابنُ المُنْذِرِ. وقال أبو حنيفةَ، والثَّوْرِىُّ: لا قَطْعَ عليه؛ لأنَّ القَبْرَ ليسَ بحِرْزٍ، لأنَّ الحِرْزَ ما يُوضَعُ فيه الْمَتاعُ للحِفْظِ، والكَفَنُ لا يُوضَعُ في القبرِ لذلك، ولأنَّه ليس بِحِرْزٍ لغيرِه، فلا يكونُ حِرْزًا له، ولأنَّ الكَفَنَ لا مالِكَ له، لأنَّه لا يخلُو إمَّا أن يكونَ مِلْكًا للمَيِّتِ أو لوارِثِه، وليس ملكًا لواحِدٍ منهما؛ لأنَّ الميِّتَ لا يملِكُ شيئًا، ولم يبقَ أهلًا للمِلْكِ، والوارِثُ انما مَلَكَ ما فَضَلَ عن حاجَةِ الميِّتِ، ولأنَّه لا يجبُ القطعُ إلَّا بمُطالَبَةِ المالِكِ أو نائِبِه، ولم يُوجَدْ ذلك. ولَنا، قولُ اللَّه تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا


(١) عزاه البيهقي إلى البخاري في التاريخ. السنن الكبرى ٨/ ٢٧٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>