للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

١٥٩ - مسألة؛ قال: (فَإِنْ كَانَ مَأْمُومًا، لَمْ يَزِدْ عَلَى قَوْلِ (١): رَبَّنَا وَلَكَ الحَمْدُ)

لا أَعْلَمُ في المذهبِ خلافًا أنَّهُ لا يُشْرَعُ للمَأْمُومِ قولُ: "سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ"، وهذا قولُ ابنِ مسعودٍ، وابنِ عمرَ، وأبِى هُرَيْرةَ، والشَّعْبِىِّ، ومالكٍ، وأصْحابِ الرَّأْىِ، وقال ابنُ سِيرِينَ، وأبو بُرْدَة، وأبو يوسف، ومحمدٌ، والشَّافعىُّ، وإسحاقُ: يقولُ ذلك كالإِمَامِ؛ لحدِيثِ بُرَيْدَةَ، ولأنَّهُ ذِكْرٌ شُرِعَ للإِمَامِ فَيُشْرَعُ للْمَأْمُومِ، كسائِرِ الأذْكَارِ. ولَنا، قولُ النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إذَا قَالَ الإِمَامُ: سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، فَقُولُوا: رَبَّنَا وَلَكَ الحَمْدُ (٢) ". وهذا يَقْتَضِى أنْ يكونَ قولُهم: "رَبَّنَا وَلَكَ الحَمْدُ" عَقِيبَ قولِه: "سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ"، بِغيرِ فَصْلٍ؛ لِأنَّ الفاءَ لِلتَّعْقِيبِ، وهذا ظاهِرٌ يَجِبُ تقدِيمُه على القِيَاسِ، وعلى حديثِ بُرَيْدَة، لأَنَّ هذا صحيحٌ مُخْتَصٌّ بالمَأْمُومِ، وحديثُ بُرَيْدَة في إسْنَادِهِ جَابِرٌ الجُعْفِىُّ (٣)، وهو عامٌّ، وتَقْدِيمُ الصحيحِ الخَاصِّ أوْلَى، فأمَّا قولُ: "مِلْءَ السَّمَاءِ" وما بَعدَهُ، فَظَاهِرُ المذهبِ أنَّه لا يُسَنُّ للْمَأْمُومِ، نَصَّ عليه أحمدُ في روَايَةِ أبى داوُد وغيرِه، وهو قولُ أكْثرِ الأصْحاب؛ لأنَّ النَّبِىَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- اقْتَصَرَ على أمْرِهم بِقَوْلِ: "رَبَّنَا وَلَكَ الحَمْدُ". فدلَّ على أنَّه لا يُشْرَعُ في حَقِّهم سِوَاهُ. ونَقَلَ الأثْرَمُ عن أحمدَ كلامًا يَدُلُّ على أنَّه مَسْنُونٌ، قال: وليس يَسْقُطُ خَلْفَ الإِمامِ عنه غيرُ: "سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ". وهذا اخْتِيَارُ أبى الخَطَّابِ، ومذْهبُ الشافعىِّ؛ لأنَّه ذِكْرٌ مَشْروعٌ في الصَّلاةِ، أشْبَهَ سائِرَ الأذْكَارِ.

فصل: وموضِعُ قولِ: "رَبَّنَا وَلَكَ الحَمْدُ" في حَقِّ الإِمَامِ والمُنْفَرِدِ، بعدَ الاعْتِدَالِ من الرُّكُوعِ؛ لأنَّه في حالِ رَفْعِه يُشْرَعُ في حَقِّه قولُ: "سَمِعَ اللهُ لِمَنْ


(١) سقط من: الأصل.
(٢) تقدم في صفحة ١٣١ في تخريج حديث: "إنما جعل الإمام ليؤتم به".
(٣) أبو عبد اللَّه جابر بن يزيد بن الحارث الجعفى الكوفى، اختلف أهل الحديث فيه، فقالوا: صدوق في الحديث. وقالوا: كذاب، توفى سنة ثمان وعشرين ومائة. انظر: تهذيب التهذيب ٢/ ٤٦ - ٥١.

<<  <  ج: ص:  >  >>