للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثوْرٍ. وقال الحسنُ، وعِكْرِمَةُ، والثَّوْرِىُّ، وأبو حنيفةَ، وأبو يوسفَ: لا فِطْرَةَ على وَاحِدٍ منهم؛ لأنَّه ليس عليه لأحَدٍ منهم وِلَايَةٌ تَامَّةٌ، أشْبَهَ المُكاتَبَ. ولَنا، عُمُومُ الأحادِيثِ، ولأنَّه عَبْدٌ مُسْلِمٌ مَمْلُوكٌ لمن يَقْدِرُ على الفِطْرَةِ، وهو من أهْلِها فلَزِمَتْه كَمَمْلُوكِ (٥) الوَاحِدِ، وفارَقَ المكاتَبَ، فإنَّه لا تَلْزَمُ سَيِّدَهُ مُؤْنَتُه، ولأنَّ المُكَاتَبَ يُخْرِجُ عن نَفْسِه زَكاةَ الفِطْرِ، بخِلَافِ القِنِّ، والوِلَايَةُ غيرُ مُعْتَبَرَةٍ فى وُجُوبِ الفِطْرَةِ، بِدَلِيلِ عَبْدِ الصَّبِىِّ، ثم إنَّ وِلَايَتَهُ لِلْجَمِيعِ، فتكونُ فِطْرَتُه عليهم. واخْتَلَفَتِ الرِّوايَةُ فى قَدْرِ الواجِبِ على كُلِّ واحِدٍ منهم، ففى إحْداهما على كُلِّ واحِدٍ صَاعٌ؛ لأنَّها طُهْرَةٌ، فوَجَبَ تَكْمِيلُها على كُلِّ واحِدٍ من الشُّرَكاءِ، ككَفَّارَةِ القَتْلِ. والثانية، على الجَمِيعِ، صَاعٌ وَاحِدٌ على كُلِّ واحِدٍ منهم بِقَدْرِ مِلْكِه فيه. وهذا الظَّاهِرُ عن أحمدَ. قال فَوْزَانُ (٦): رَجَعَ أحمدُ عن هذه المَسْألَةِ، وقال: يُعْطِى كُلُّ وَاحِدٍ منهم (٧) نِصْفَ صَاعٍ. يَعْنِى رَجَعَ عن إيجابِ صَاعٍ كامِلٍ على كُلِّ واحِدٍ. وهذا قولُ سائِرِ من أوْجَبَ فِطْرَتَه على سادَتِه؛ لأنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أوْجَبَ صَاعًا عن (٨) كلِّ واحِدٍ. وهذا عَامٌّ فى المُشْتَرَكِ وغيرِه، ولأنَّ نَفَقَتَه تُقسَمُ عليهم، فكذلك فِطْرَتُه التَّابِعَةُ لها، ولأنَّه شَخْصٌ وَاحِدٌ، فلم تَجِبْ عنه صِيعَان كسائِرِ الناسِ، ولأنَّها طُهْرَةٌ فوَجَبَتْ على سَادَتِه بالحِصَصِ، كماءِ الغُسْلِ من الجَنابَةِ إذا احْتِيجَ إليه، وبهذا يَنْتَقِضُ ما ذَكَرْنَاهُ لِلرِّوَايَةِ الأُولَى.

فصل: ومَن بَعْضُه حُرٌّ، فَفِطْرَتُه عليه وعلى سَيِّدِه. وبهذا قال الشَّافِعِىُّ، وأبو ثَوْرٍ، وقال مالِكٌ: على الحُرِّ بحِصَّتِه، وليس على العَبْدِ شىءٌ. ولَنا، أنَّه عَبْدٌ مُسْلِمٌ [تَلْزَمُ مُؤُنَتُه] (٩) شَخْصَينِ من أهْلِ الفِطْرَةِ، فكانَتْ فِطْرَتُه عليهما


(٥) فى أ، ب، م: "لمملوك".
(٦) هو عبد اللَّه بن محمد بن المهاجر، كان الإمام أحمد يجله، وكان من أصحابه الذين يقدمهم، ويأنس بهم، ويخلو إليهم، ويستقرض منهم، توفى سنة ستة وخمسين ومائتين. طبقات الحنابلة ١/ ١٩٥، ١٩٦.
(٧) فى الأصل، أ: "منهما".
(٨) فى ب، م: "على".
(٩) فى م: "تلزمه فطرته".

<<  <  ج: ص:  >  >>