للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الدِّيَةَ. رُوِىَ ذلك عن عُمرَ (١). وبه قالَ مُجاهِدٌ، وقَتادةُ، والثَّوْرىُّ، والأوْزاعىُّ، وأهلُ الشَّامِ، وأهلُ العراقِ، ومالكٌ، والشَّافعىُّ، وابنُ المُنْذِرِ، ولا أعلم عن غيرِهم خلافًا لهم. وقد رُوِىَ عن مُعاذٍ، أنَّ (٢) النَّبِىَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "وَفِى السَّمْعِ الدِّيَةُ" (٣). ورَوَى أبو المُهَلَّبِ، عن أبي قِلَابةَ، أنَّ رجلًا رَمَى رجُلًا بحجَرٍ في رأسِه، فذَهَبَ سمعُه وعَقْلُه ولسانُه ونكاحُه، فقَضَى عُمَرُ بأرْبعِ دِيَاتٍ، والرَّجلُ حَىٌّ (٤). ولأنَّها حاسَّةٌ تخْتصُّ بنَفْعٍ، فكانَ فيها الدِّيَةُ، كالبصَرِ. وإنْ ذهبَ السَّمْعُ من إحْدَى الأُذُنينِ، وجبَ نصفُ الدِّيَةِ، كما لو ذهبَ البصرُ من إحْدَى العَيْنَيْنِ. وإن قطَعَ أُذُنَيْه (٥)، فذهبَ سمْعُه، وجبَتْ دِيَتان؛ لأنَّ السَّمْعَ في غيرِهما، فأشْبَهَ ما لو قطَع (٦) أجْفانَ عَيْنَيْه فذَهبَ بصرُه، بخلافِ العَيْنِ إذا قُلِعَتْ فذهَبَ بصرُه. فإنَّ البصرَ في العَيْنِ، فأشْبَهَ البَطْشَ الذَّاهِبَ بقَطْعِ اليدِ.

فصل: وإن إخْتَلفا في ذَهابِ سَمْعِه، فإنَّه يُتَغَفَّلُ ويُصاحُ به، ويُنْظَرُ اضْطِرابُه، ويُتأمَّلُ عندَ صَوْتِ الرَّعْدِ والأصْواتِ المُزْعِجَةِ، فإنْ ظَهر منه انْزِعاجٌ، أو الْتِفاتٌ، أو ما يَدُلُّ على السَّمْعِ، فالقولُ قولُ الجانى مع يَمِينِه؛ لأنَّ ظُهورَ الأماراتِ يُدلُّ على أنَّه سَمِيعٌ (٧)، فغلَبتْ جَنْبَةُ المُدَّعِى، وحَلَفَ، لجوازِ أنْ يكونَ ما ظهرَ منه اتِّفاقًا، وإنْ لم يوجدْ منه شيءٌ من ذلك، فالقولُ قولُه، مع يَمِينه؛ لأنَّ الظَّاهرَ أنَّه غيرُ سَميعٍ، وحَلَفَ لجَوازِ أن يكونَ احْتَرزَ وتصَبَّرَ. وإن ادَّعى ذلك في إحْداهما، سُدَّتِ الأُخْرَى، وتُغُفِّلَ


(١) انظر: ما أخرجه البيهقي، في: باب السمع، من كتاب الديات. السنن الكبرى ٨/ ٨٦.
(٢) سقط من: الأصل.
(٣) أخرجه البيهقي، في: باب السمع، من كتاب الديات. السنن الكبرى ٨/ ٨٥، ٨٦.
(٤) أخرجه البيهقي، في: باب ذهاب العقل من الجناية، من كتاب الديات، وفى: باب اجتماع الجراحات, من كتاب الديات. السنن الكبرى ٨/ ٨٦، ٩٨. وعبد الرزاق، في: باب من أصيب من أطرافه. . ., من كتاب العقول. المصنف ١٠/ ١٢. وابن أبي شيبة، في: باب في العقل، من كتاب الديات ٩/ ٢٦٦.
(٥) في م: "أذنه".
(٦) في م: "قلع".
(٧) في الأصل: "سمع". والمثبت سيأتي.

<<  <  ج: ص:  >  >>