للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

١٥٥٣ - مسألة؛ قال: (وإذَا زَنَى الْحُرُّ البِكْرُ، جُلِدَ مِائَةً، وغُرِّبَ عَامًا)

يعني من (١) لَمْ يُحْصَنْ وإن كان ثيِّبًا، وقد ذكرنا الإِحْصانَ وشروطَه، ولا خلافَ في وُجوبِ الجَلْدِ على الزَّانِى إذا لم يكُنْ مُحْصَنًا، وقد جاءَ بيانُ ذلك في كتابِ اللهِ تعالى، بقولهِ سبحانه: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} (٢). وجاءت الأحاديثُ عن النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- مُوافِقَةً لما جاءَ به الكتابُ. ويجبُ مع الجَلْدِ تَغْريبُه عامًا، في قولِ جُمْهورِ العلماء. رُوِىَ ذلك عن الخُلَفاءِ الرَّاشدِين. وبه قال أُبَىٌّ، وأبو ذَرٍّ (٣)، وابن مسعود، وابنُ عمر، رَضِىَ اللَّه عنهم (٤). وإليه ذهبَ عَطاءٌ، وطاوسٌ، والثَّوْرِىُّ، وابنُ أبي ليلى، والشَّافِعِىُّ، وإسحاقُ، وأبو ثَوْرٍ. وقال مالِكٌ، والأوْزاعِىُّ: يُغرَّبُ الرَّجُلُ دونَ المرأةِ؛ لأنَّ المرأةَ تَحْتَاجُ إلى حِفْظٍ وصِيَانةٍ، ولأنَّها لا تَخْلُو من التَّغْرِيبِ بمَحْرَمٍ أو بغيرِ مَحْرَمٍ، لا يجوزُ التَّغْريبُ بغيرِ مَحْرَمٍ؛ لقولِ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ باللهِ والْيَوْمِ الآخِرِ, أنْ تُسافِرَ مَسِيرَةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ, إِلَّا معَ ذِى مَحْرَمٍ" (٥). ولأنَّ تَغْرِيبَها بغيرِ مَحْرَمٍ إغْراءٌ لها بالفُجورِ (١)، وتضْيِيعٌ لها، وان غُرِّبَتْ بمَحْرَمٍ، أفْضَى إلى تَغْريبِ مَنْ لَيس بزَانٍ، ونَفْىِ مَنْ لا ذَنْبَ له، وإنْ كُلِّفَتْ أُجْرتَه، ففى ذلك زيادةٌ على عقوبَتِها بما لم يَرِدِ الشَّرْعُ به، كما لو زادَ ذلك على الرجلِ، والخبرُ الخاصُّ في التَّغْريبِ إنَّما هو في حَقِّ الرجلِ، وكذلك فَعَلَ الصَّحابةُ، رَضِىَ اللَّه عنهم، والعامُّ يجوزُ تخْصِيصُه؛ لأنَّه يَلْزَمُ من العملِ بعُمومِه مُخالفةُ مَفْهُومهِ، فإنَّه دَلَّ (٦) بمَفْهُومِه على أنَّه ليس على الزَّانِى


(١) سقط من: م.
(٢) سورة النور ٢.
(٣) في م: "وأبو داود".
(٤) في م: "عنه".
(٥) تقدم تخريجه، في: ٣/ ١٠٩.
(٦) في م: "كل".

<<  <  ج: ص:  >  >>