للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِلْكِ الميّتِ؛ لأنَّها بَدَلُ نَفْسِه، فيكونُ بَدَلُها له، كدِيَةِ أطْرافِه المقْطوعَةِ منه فى الحياةِ، ولأنَّه لو أسْقَطَها عن القاتِلِ بعدَ جَرْحِه إيَّاه، كان صحيحًا، وليس له إسْقاطُ حَقِّ الوَرَثَةِ، ولأنَّها مالٌ مَوْروثٌ، فأشْبَهَتْ سائِرَ أمْوالِه. والأُخْرَى، أنَّها تحْدُث على مِلْكِ الوَرَثَةِ ابتداءً؛ لأنَّها إنَّما تُسْتَحَقُّ بَعْدَ المَوْتِ، وبالْمَوْتِ تَزولُ أمْلاكُ الميِّتِ الثَّابِتَةُ له، ويَخْرُجُ عن أنْ يكونَ أهْلًا لِلْمِلكِ، وإنما يَثْبُتُ المِلْكُ لِوَرَثَتِه ابتداءً. ولا أعْلَمُ خِلافًا فى أَنَّ المَيِّتَ يُجَهَّزُ منها، إنْ كان قَبْلَ تَجْهيزِه؛ لأنَّه لو لم يَكُنْ له شَىْءٌ، لَوَجَبَ تَجْهيزُه على من عليه نَفَقَتُه لو كان فقيرًا، فأوْلَى أنْ يَجِبَ ذلك فى دِيَتِه.

فصل: فى ميراثِ المفْقودِ، وهو نَوْعانِ؛ أحدُهما، الغالِبُ مِنْ حَالِه الهلاكُ، وهو مَنْ يُفْقَدُ فى مَهْلَكَةٍ، كالَّذى يُفْقَدُ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ، وقد هَلَكَ جَماعَةٌ، أو فى مَرْكَبٍ انْكَسَرَ، فَغَرِقَ بَعْضُ أهْلِه، أو فى مَفَازَةٍ يَهْلَكُ فيها النَّاسُ، أو يُفْقَدُ من بَيْنِ أهْلِه، أو يَخْرُجُ لِصَلاةِ العِشاءِ أو غَيْرِها من الصَّلواتِ، أو لحِاجَةٍ قريبَةٍ، فلا يَرْجِعُ، ولا يُعْلَمُ خَبَرُه، فهذا يُنتَظَرُ به أرْبَعُ سنين، فإنْ لم يَظْهَرْ له خَبَرٌ، قُسِّمَ مالُه، واعْتَدَّتْ امْرَأتَّه عِدَّةَ الوَفاةِ، وحَلَّتْ لِلْأَزْواجِ، نَصَّ عليه الإِمامُ أحمدُ. وهذا اخْتيارُ أبى بكرٍ. وذَكَرَ القَاضى أنَّه لا يُقَسَّمُ مالُه، حتَّى تَمْضِىَ عِدَّةُ الوَفاةِ بَعْدَ الأرْبَعِ سنين؛ لأنَّه الوَقْتُ الذى يُباحُ لامْرَأتِه التَّزَوُّجُ (٣٠) فيه. والأوَّلُ أصَحُّ؛ لأنَّ العِدَّةَ إنَّما تكونُ بَعْدَ الْوَفاةِ، فإذا حُكِمَ بِوفَاتِه فلا وَجْهَ لِلْوُقوفِ عَنْ قَسْمِ مالِه. وَإنْ ماتَ للمَفْقودِ مَنْ يَرِثُه قَبْلَ الحُكْمِ بِوَفاتِه، وُقِفَ لِلْمَفْقودِ نَصيبُه من مِيراثِه، وما يُشَكُّ فى مُسْتَحِقِّه، وقُسِمَ باقِيه؛ فإنَّ بانَ حَيًّا، أخَذَه، ورُدَّ الفَضْلُ إلى أهْلِه، وإِنْ عُلِمَ أنَّه ماتَ بَعْدَ مَوْتِ مَوْروثِه، دُفِعَ نصيبُه مع مالِهِ إلى وَرَثَتِه، وإن عُلِمَ أنَّه كان مَيِّتًا حينَ مَوْتِ مَوْروثِه، رُدَّ المَوْقوفُ إلى وَرَثَةِ الأَوَّلِ، وإِنْ مَضَتِ المُدَّةُ، ولم يُعْلَمْ خَبَرُه، رُدَّ أيضًا إلى وَرَثَةِ الأوَّلِ؛ لأنَّه مشكوكٌ فى حَياتِه حينَ مَوْتِ مَوْروثِه، فلا نُوَرِّثُه مع الشَّكِ، كالْجَنِينِ


(٣٠) فى أ: "التزويج".

<<  <  ج: ص:  >  >>