للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الخُلَفاءِ، رَضِىَ اللَّهُ عنهم، فصارَ إِجْماعًا لا يجوزُ الخَطَأ عليه، وقد وافَقَ الشافِعِىُّ على اسْتِحبابِ العَمَلِ به. وأمَّا حديثُ مُعاذٍ، فلا يَخْلُو من وَجْهَيْن؛ أحدُهما، أنَّه فَعَلَ ذلك لِغَلَبَةِ الفَقْرِ عليهم، بدليلِ قَوْلِ مُجاهدٍ: إنَّ (٢٤) ذلك من أجْلِ اليَسارِ. والوَجْهُ الثانى، أَنْ يكونَ التَّقْديرُ غيرَ واجبٍ، بل هو مَوْكولٌ إلى اجْتهادِ الإِمام. ولأنَّ الجِزْيَةَ وجَبتْ صَغارًا أو عُقوبةً، فتخْتَلِفُ باخْتِلافِ أحْوالِهم، كالعُقوبةِ فى البَدَنِ؛ منهم مَنْ يُقْتَلُ، ومنهم مَنْ يُسْتَرَقُّ، ولا يصِحُّ كَوْنُها عِوَضًا عن سُكْنَى (٢٥) الدَّارِ؛ لأنَّها لو كانت كذلك، لَوَجَبَت على النِّساءِ والصِّبْيانِ والزَّمْنَى والمَكافيفِ.

فصل: وحَدُّ اليَسارِ فى حَقِّهِمِ، ما عَدَّه النَّاسُ غِنًى فى العادةِ، وليس بمُقَدَّرٍ؛ لأنَّ التَّقْديراتِ بابُها التَّوْقيفُ، ولا تَوْقيف فى هذا، فرُجِعَ (٢٦) فيه إلى العادَةِ والعُرْفِ.

فصل: إذا بَذَلُوا الجِزْيَةَ، لزِمَ قَبُولُها، وحَرُم قِتالُهم.؛ لقولِ اللَّه تعالى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} إلى قوله: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} (٢٧). فجَعَلَ إعْطاءَ الْجِزْيَةِ غايةً لقتالِهم، فمتَى بذَلُوها، لم يجُزْ قتالُهم، وقولِ النَّبِىِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "فَادْعُهُم إلَى أدَاءِ الْجِزْيَةِ، فإنْ أجَابوكَ، فَاقْبَلْ مِنْهُمْ، كفّ عَنْهُمْ" (٢٨). وإِنْ قُلْنا: إنَّ الجِزْيَةَ غيرُ مُقدَّرَةِ الأثَرِ. لم يحْرُمْ قِتالُهم حَتَّى يُجِيبُوا إلى بَذْلِ ما لا يجوزُ طَلَبُ أَكْثَرَ منه، ممَّا يَحْتَمِلُه (٢٩) حالُهم.

فصل: وَتَجِبُ الجِزْيَةُ فى آخرِ كل حَوْلٍ. وبه قال الشافِعِىُّ. وقال أبو حَنِيفة: تَجِبُ بأَوَّلِه، ويُطالَبُ بها عَقِيبَ العَقْدِ، وَتَجِبُ الثانِيةُ فى أوَّلِ الحَوْلِ الثانى؛ لقولِ اللَّه تعالَى: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ}. ولَنا، أنَّه مالٌ يتكَرَّرُ بِتَكَرُّرِ الحَوْلِ، أو يُؤْخَذُ فى


(٢٤) فى م: "لأن".
(٢٥) فى أ: "سكن".
(٢٦) فى م: "فيرجع".
(٢٧) سورة التوبة ٢٩.
(٢٨) تقدم تخريجه، فى: ١/ ٢٧٥، ٤/ ٥.
(٢٩) فى ب: "يحمله".

<<  <  ج: ص:  >  >>