للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عبدِ العزيزِ، والشَّعْبِىِّ. وبه قال الثَّوْرِىُّ، وأبو حنيفةَ، والشَّافِعِىُّ؛ لأنَّ المقْصودَ الزَّجْرُ والتَّنْكِيلُ، وحصولُه بإقامةِ الحَدِّ عليه في صَحْوِه أتمُّ، فيَنْبَغِى أن يُؤَخَّرَ إليه.

فصل: وحَدُّ السُّكْرِ الذي يحْصُلُ به فِسْقُ شاربِ النَّبِيذِ، ويُخْتَلَفُ معه في وُقوعِ طلاقِه، ويَمْنَعُ صِحَّةَ الصَّلاةِ منه، هو الذي يجْعلُه يخْلِطُ في كلامِه ما لم يكُنْ قبلَ الشُّرْبِ، ويُغَيِّرُه عن حالِ صَحْوهِ، ويَغْلِبُ على عَقْلِه، ولا يُمَيِّزُ بينَ ثَوْبِه وثوبِ غيرِه عندَ اخْتلاطِهما، ولا بينَ نَعْلِه ونعلِ غيرِه. ونحوَ هذا قال الشَّافِعِىُّ، وأبو يوسفَ، ومحمدٌ، وأبو ثَوْر. وزعمَ أبو حنيفةَ، أنَّ السَّكْرانَ هو الذي لا يعرفُ السماءَ من الأرضِ، ولا الرَّجُلَ من المرأةِ. ولَنا، قولُ اللَّه تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} (١١). نَزَلَتْ في أصحابِ رسولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، حين قَدَّمُوا رَجُلًا منهم في الصَّلَاةِ، فصَلَّى بهم، وترَكَ في قراءتِه ما غَيَّرَ المعنَى (١٢). وقد كانوا قامُوا إلى الصَّلَاةِ عالمين بها، وعَرَفُوا إمامَهم وقَدَّمُوه لِيَؤُمَّهم (١٣)، وقصدَ إمامتَهم، والقراءةَ لهم، وقَصَدُوا الائْتمامَ به، وعَرَفُوا أركانَ الصَّلَاةِ، فأَتَوْا بها، ودَلَّتِ الآيةُ على أنَّه ما لم يعلَمْ ما يقولُ، فهو سَكْرانُ. ورُوِىَ أنَّ النَّبِىَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أُتِىَ بَسَكرانَ [فقال: "ما شَرِبْتَ؟ "] (١٤). فقال: ما شَرِبْتُ إلَّا الخَلِيطَيْن (١٥). وأُتِىَ بآخرَ سَكْرانَ، فقال: ألا أَبْلِغْ رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أنِّى ما سَرَقْتُ، ولا زَنَيْتُ (١٦). فهؤلاء قد عَرَفُوا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، واعتذَرُوا إليه، وهم سُكَارَى. وفي حديثِ حمزةَ عَمِّ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، حين غَنَّتْه قَيْنَةٌ وهو سَكْرانُ:

ألا يا حَمْزُ لِلشُّرُفِ النِّواءِ ... وهُنَّ مُعَقَّلاتٌ بالْفِنَاءِ (١٧)


(١١) سورة النساء ٤٣. ولم يرد في الأصل، ب: {حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ}.
(١٢) أخرجه أبو داود، في: باب في تحريم الخمر، من كتاب الأشربة. سنن أبي داود ٢/ ٢٩٢. وابن جرير الطبري، في: تفسير سورة النساء، آية رقم ٤٣. تفسير الطبري ٥/ ٩٥.
(١٣) في ب: "أمامهم".
(١٤) سقط من: الأصل، ب.
(١٥) يأتى تعريف الخليطين، في مسألة رقم ١٦٠٥.
(١٦) رواه الإِمام أحمد بمعناه في: المسند ٢/ ٢٥.
(١٧) الشرف النواء: النوق المُسِنَّة السِّمان.

<<  <  ج: ص:  >  >>