للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولأنَّه إذا جازَ أن يَقْصِدَ بصَلَاِته ودُعَائِه الأكْثَرَ، جازَ قَصْدُ الأقَلِّ، ويَبْطُلُ ما قالُوه بما إذا اخْتَلَطَتْ أُخْتُه بأجْنَبِيَّاتٍ، أو مَيْتَةٌ بمُذَكَّياتٍ، ثَبَتَ الحُكْمُ لِلْأَقَلِّ، دُونَ الأكْثَرِ.

فصل: وإن وُجِدَ مَيِّتٌ، فلم يُعْلَمْ أَمُسْلِمٌ هو أم كافِرٌ، نَظَر إلى العلاماتِ، من الخِتانِ، والثِّيابِ، والخِضابِ، فإن لم يكنْ عليه عَلامةٌ، وكان في دارِ الإِسلامِ، غُسِّلَ، وصُلِّىَ عليه، وإن كان في دارِ الكُفْرِ، لم يُغْسَّلْ، ولم يُصَلَّ عليه. نَصَّ عليه أحمدُ؛ لأنَّ الأصْلَ أنَّ مَن كان في دَارٍ، فهو من أهْلِها، يَثْبُتُ له حُكْمُهم ما لم يَقُمْ على خِلافِه دَلِيلٌ.

٣٨٢ - مسألة؛ قال: (والمُحْرِمُ يُغَسَّلُ بِمَاءٍ وسِدْرٍ، ولا يُقْرَبُ طِيبًا، ويُكَفَّنُ في ثَوْبَيْهِ، ولا يُغَطَّى رَأْسُهُ، ولَا رِجْلَاهُ)

إنما كان كذلك لأنَّ المُحْرِمَ لا يَبْطُلُ حُكْمُ إحْرَامِه بِمَوْتِه، فلذلك جُنِّبَ ما يُجَنَّبُه المُحْرِمُ من الطِّيبِ، وتَغْطِيَةِ الرَّأْسِ، ولُبْسِ المَخِيطِ، وقَطْعِ الشَّعْرِ. رُوِىَ ذلك عن عثمانَ، وعليٍّ، وابنِ عَبَّاسٍ. وبه قال عَطَاءٌ، والثَّوْرِيُّ، والشَّافِعِيُّ، وإسحاقُ. وقال مالكٌ، والأوْزاعِىُّ، وأبو حنيفةَ: يَبْطُلُ إحْرَامُه بمَوْتِه (١)، ويُصْنَعُ به كما يُصْنَعُ بالحَلَالِ. ورُوِىَ ذلك عن عائشةَ، وابنِ عمرَ، وطَاوُس؛ لأنَّها عِبَادَةٌ شَرْعِيَّةٌ، فبَطَلَتْ بالمَوْتِ، كالصَّلاةِ والصِّيامِ. ولنَا، ما رَوَى ابنُ عَبَّاسٍ، أنَّ رَجُلًا وَقَصَهُ بَعِيرُه (٢)، ونحنُ مع النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال النَّبِىُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "اغْسِلُوه بمَاءٍ وسِدْرٍ، وكفِّنُوهُ في ثَوْبَيْنِ، ولَا تُمِسُّوهُ طِيبًا، ولا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ، فَإنَّ اللهَ يَبْعَثُه يَوْمَ القِيَامَةِ مُلَبَّدًا" (٣). وفي رِوَايَةٍ "مُلَبِّيًا". مُتَّفَقٌ عليه (٤). فإن قيل: هذا خَاصٌّ


(١) في م: "بالموت".
(٢) وقصه بعيره: رمى به فدقَّ عنقه.
(٣) ملبدا: أي ملصق بعض شعره ببعض كاللبد.
(٤) تقدم تخريجه في صفحة ٣٧٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>