للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذلك مَرَّةً. فظَاهِرُ هذا صِحَّةُ البَيْعِ، وأنَّ النَّهْىَ اخْتَصَّ بأوَّلِ الإِسلامِ؛ لِمَا كان عليهم من الضِّيقِ فى ذلك. وهذا قولُ مُجَاهِدٍ، وأبي حنيفةَ، وأصْحابِه. والمَذْهَبُ الأولُ؛ لِعُمُومِ النَّهْىِ، وما يَثْبُتُ فى حَقِّهِم يَثْبُتُ فى حَقِّنَا، ما لم يَقُمْ على اخْتِصاصِهِمْ به دَلِيلٌ. وظَاهِرُ كَلَامِ الخِرَقِىِّ أنَّه يَحْرُمُ بِثلاثةِ شُرُوطٍ؛ أحَدِها، أن يكونَ الحاضِرُ قَصَدَ البَادِىَ؛ لِيَتَوَلَّى البَيْعَ له. والثانى، أن يكونَ البادِى جاهِلًا بِالسِّعْرِ؛ لقولِه: "فَيُعَرِّفَه السِّعْرَ"، ولا يكونُ التَّعْرِيفُ، إلَّا لِجاهِلٍ، وقد قال أحمدُ، فى روايةِ أبي طالِبٍ: إذا كان البَادِى عارِفًا بالسِّعْرِ، لم يَحْرُمْ. والثالث، أن يكونَ قد جَلَبَ السِّلَعَ لِلْبَيْعِ؛ لقولِه: "وقد جَلَبَ السِّلَعَ". والجَالِبُ هو الذى يَأْتِى بالسِّلَعِ لِيَبِيعَها. وذَكَرَ القاضِى شَرْطَيْنِ آخَرَيْن؛ أحدَهما، أن يكونَ مُرِيدًا لِبَيْعِها بِسِعْرِ يَوْمِهَا. والثانىَ، أن يكونَ بالنَّاسِ حَاجَةٌ إلى مَتاعِه، وضِيقٌ فى تَأْخِيرِ بَيْعِه. وقال أصحابُ الشَّافِعِىِّ: إنَّما يَحْرُم بِشُرُوطٍ أرْبَعَةٍ؛ وهى ما ذَكَرْنَا إلَّا حَاجَةَ النَّاسِ إلى مَتاعِه، فمتى اخْتَلَّ منها شَرْطٌ، لم يَحْرُمِ البَيْعُ، وإنِ اجْتَمَعَتْ هذه الشُّرُوطُ، فالبَيْعُ حَرَامٌ، وقد صَرَّحَ الخِرَقِىُّ بِبُطْلَانِه. ونَصَّ عليه أحمدُ، فى رِوَايَةِ إسْماعيلَ ابنِ سعيدٍ، قال: سَأَلْتُ أحمدَ عن الرَّجُلِ الحَضَرِىِّ يَبِيعُ لِلْبَدَوِىِّ؟ فقال: أكْرَهُ ذلك، وأَرُدُّ البَيْعَ فى ذلك. وعن أحمدَ روايةٌ أخْرَى، أنَّ البَيْعَ صَحِيحٌ. وهو مَذْهَبُ الشَّافِعِىِّ؛ لكَوْنِ النَّهْي لِمَعْنًى فى غيرِ المَنْهِىِّ عنه. ولَنا، أنَّه مَنْهِىٌّ عنه، والنَّهْىُ يَقْتَضِى فَسادَ المَنْهِىِّ عنه.

فصل: فأمَّا: الشِّراءُ لهم، فيَصِحُّ عند أحمدَ، وهو قولُ الحسنِ. وكَرِهَتْ طَائِفَةٌ الشِّراءَ لهم، كما كَرِهَتِ البَيْعَ. يُرْوَى عن أنَسٍ قال، كان يُقال: هى كَلِمَةٌ جَامِعَةٌ، يقول: لا تَبِيعَنَّ له شَيْئًا، ولا تَبْتَاعَنَّ له شَيْئًا (٤). وعن مالِكٍ فى ذلك روايتانِ؛ وَوَجْهُ القولِ الأوَّلِ، أنَّ النَّهىَ غيرُ مُتَنَاوِلٍ لِلشِّرَاءِ بِلَفْظِهِ. ولا هو فى مَعْناه، فإنَّ


(٤) أخرجه أبو داود، فى: باب فى النهى أن يبيع حاضر لباد، من كتاب البيوع. سنن أبي داود ٢/ ٢٤٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>